الأعمال العظيمة، في أي مجال، يكون وراءها أفراد. المؤسسة تأتي من بعد، بحكم أن المبادرات تنطلق، في الغالب، من أشخاص، قبل أن تتحول إلى مبادرات جماعية. في المغرب، كما في بلدان كثيرة، هناك أسماء عديدة، لنساء ورجال، ينهضون بأعمال جليلة، لفائدة مجتمعاتهم، في قطاعات مختلفة.
لا أريد أن أعدد أسماء، من هنا أو هناك، مادام القصد أن أقف عند نموذج امرأة/ مواطنة مغربية واحدة، وهي التشكيلية: أحلام لمسفر. تعرف السيدة بكونها فنانة ذات تأثير في الأوساط التشكيلية والثقافية، ما جعلها تستحق أكثر من تكريم وتنويه، نتيجة مسيرتها الفنية الطويلة والمتميزة، من قبل أكثر من جهة، داخل المغرب وخارجه.
في قرية على جانب من الشاطىء، في “برييش” غير بعيد عن مدينة أصيلة، أقامت لمسفر، رفقة فنانين آخرين، دارا للفن المعاصر. ففي مكان هادىء، محفوفا بالبرية الخضراء، وعلى مرمى من أمواج البحر، تمت إقامة صرح معماري للفنون التشكيلية، بقصد احتضان معارض، ندوات وورشات (لفائدة الأطفال والشباب).
خلال هذه السنة، وابتداء من مايو إلى شتنبر، تجري فعاليات فنية متنوعة، تحت عنوان “عندما ينمي الشباب الفن”، في إطار المعرض الدولي للفن المعاصر 2024. وضمن هذه الفعاليات، كانت المناسبة لاستقبال فنانين تشكيليين، من أكثر من بلد إفريقي، لعرض أعمالهم التشكيلية، والانخراط في ورشات جماعية.
أنبل عمل، يمكن أن يقوم به الواحد، اليوم، هو ذاك الذي يتجه إلى خدمة الأطفال واليافعين والشباب. ففي عالم، غدت فيه القيم تتحول بسرعة، باتجاه ثقافة التطرف والاستهلاك والضحالة، تبرز بعض المبادرات، وإن كانت فردية محدودة، مثل التي تقودها الفنانة أحلام، كأنها “صرخات” قوية في وجه الإهمال، اليأس واللامبالاة.
وهي تشرف على مبادرات ثقافية دولية، بسعة صدر، وبشاشة وجه، لم يكن ليغيب عن مديرة “دار الفن المعاصر” حركة دؤوبة، في أثناء استقبال الضيوف، تثبيت إقاماتهم، وتوجيه مشاركاتهم.
الاشتغال في المجال المدني صعب، اليوم، بحكم نهوضه على المجهود الفردي من جهة، وبطء تحقيق النتائج الملموسة فيه من جهة ثانية. التوجه إلى المستقبل، بفعل واقع الاشتغال مع الأطفال والشباب، غالبا ما يقتضي من المنخرطين فيه قدرا مهما من التواضع، ونكران الذات.
ذلك، جزء من يوميات فنانة مقتدرة، اختارت أن تقاوم البؤس بالريشة، واليأس باللون. إنها يوميات مواطنة، التزمت بإشاعة الجمال بطريقتها الخاصة، بعيدا عن ضوضاء المدينة، وجلبة سماسرة الحياة والفن.
هذا المجهود الفردي، الذي أضحى يضم إليه جهودا فردية أخرى، يصح فيه قول الشاعر عبدة بن الطبيب عن قيس بن عاصم، مع إجراء التحوير المطلوب في الغرض والقافية:
فما كان قيس جمعه جمع واحد// ولكنه بنيان قوم تطاولا