في الوقت الذي كانت فيه جماهير الدولة برمتها تشاهد مباراة مصيرية في كرة القدم، كان صديقنا الوزير الشاب والكفؤ، الذي يسير قطاع الإدماج الإقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري، يخوض مباراة من نوع خاص في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني، التي حل عليها ضيفا ليتحدث عن الوضعية السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
وعلى شاكلة البرامج المباشرة التي كان يعرفها التلفزيون المغربي، حينما كان الحوار بين الأطراف السياسية مازال مغريا بالتتبع والجدال الفكري والمجتمعي مازال قائما؛ كان في تقديم السيد وزير التشغيل، إلى جانب رئيس مؤسسة الفقيه التطواني، صحفية وصحفيين من منابر إعلامية مختلفة. وجاء لمؤازرة السكوري في خرجته الإعلامية هذه، التي يشتم فيها من بعيد رائحة الحملة السياسية، حتى لا نقول الإنتخابية، والتموقع عشية تعديل حكومي مرتقب حسب ماتتداوله الصالونات والكولوارات، -جاء لمؤازرته- إلى جانب قياديي وأعضاء حزبه وزميلاته وزملائه في الحكومة عدد كبير من أصدقائه من مشارب سياسية وواجهات مجتمعية مختلفة. حتى من الذين لا يتفقون بالضرورة مع نظرته والحكومة التي ينتمي إليها، للمشروع المجتمعي الكبير الذي يقوده صاحب الجلالة من أجل إرساء دولة اجتماعية، واختلافهم كذلك مع طريقة تدبير هذه الحكومة للملفات والقطاعات الحيوية. لكن الجميع حضر مع كامل التحفظات الممكنة في الزمن السياسي الحالي. وهذا يدل على إجماع الناس، على الأقل، على كفاءة الرجل واستحقاقه للمنصب الوزاري الذي يشغله، وعدم ترددهم للحظة من وضع وجوههم في نفس ” الفيترينة السياسية”، قصد مساندته. حتى وإن اختلفت الايديولوجيات والتيارات، والأهداف كذلك.
شخصيا، تجمعني بالسكوري علاقة صداقة، انطلقت منذ كنا يافعين جمعنا إطار خاص: هو منتدى الشباب المغربي للألفية الثالثة، بعدما مثلنا المغرب في المؤتمر الدولي لشباب الألفية الثالثة، بجزر هاواي بالولايات المتحدة الأمريكية. وتوالت بعد ذلك اللقاءات والمهرجانات والأسفار والإجتماعات التنظيمية والنقاشات التي يغديها الحلم بمغرب أحسن ،هو المشترك بيننا الذي لا يمكننا المراهنة به من أجل أي اختلاف سياسي أو مصلحة شخصية ضيقة. كانت هذه هي فلسفة منتدى الشباب المغربي، وهي فلسفة العهد الجديد تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس. لذلك وإن كنت ترددت كثيرا، في أن أكتب عن اللقاء الرمضاني الذي حضرناه بكثير من التقدير لصديقنا الوزير، حتى لا أجازف بعلاقة إنسانية طيبة، كانت فيها لحظات جميلة والكثير من القفاشات والسخرية، التي يمكن معها أن تمر الكثير من الأفكار والإنتقادات والتصورات عن الحياة والعيش المشترك؛ من أجل انتقاد لمرحلة سياسية هي سائرة إلى زوال في نهاية الأمر. لكنني ككاتب وكفاعل مدني وكمواطن غيور قبل كل شيء، لا يمككني أن أضحي بطبعي الأول في أن أكون ذلك “المعارض الأزلي”، حتى حين يكون رفاقنا في دواليب الحكومة. وأن أكون ذلك المتدافع مع المتدافعين، في حركة طبيعية لصنع دولة الحق والقانون والمغرب الأفضل والأبهى، الذي يستحقه المواطنون؛ وذلك لجبر خاطر صديق قديم وإرضاء غروره. الذي استفزني كغيري من المنصتين/المشاهدين الحاضرين أو عن بعد للقاء السيد وزير الكفاءات، هما نقطتين أساسيتين يمكنهما تلخيص العرض السياسي لصديقنا الوزير. والعرض هنا ليس مما تعرضه الحكومة والحزب الذي ينتمي إليه السيد السكوري،على المواطنين من استراتيجيات ومبادرات عملية لحل همومهم. وإنما العرض بمعنى فعل التمسرح والسرد الحكواتي، الذان يحاول دوما صديقنا الوزير توظيفهما بطريقة تقارب المبالغة. فينقلب معها السحر على الساحر.
النقطتان هما كالتالي:
– صديقنا الوزير باعتباره تلميذ نجيب، منذ البدأ، فخور بما درسه في علم التدبير الإستراتيجي والتصميم المفاهيمي في تكوينه الإقتصادي، الذي جاء بعد تكوينه الأساسي كمهندس دولة في البريد والإتصالات، ويبدل جهدا كبيرا في أن يثبت للاوعيه قبل أن يثبت لجمهور المتلقين لخطابه السياسي، أنه يضبط أحد المفاهيم الأولية في العلوم الإجتماعية وعلم السياسة والمتعلق بماهية الدولة الإجتماعية. تماما كما تحاول الحكومة أن تقنعنا منذ تعيينها أنها حكومة كفاءات صالحة للمرحلة الحالية، في حين أنها لا تعدو أن تكون إعادة تدوير لتشكيلة حكومات متعاقبة من المهندسين والخبراء التقنوقراط، بالمفهوم الضيق للكلمة. لكن صديقنا الوزير الحاصل على “الإيم بي آي” في العديد من الدول والجامعات. والذي يعلم حتما أن “الإم بي آي” هو في الأصل إشهاد أبدعته الولايات المتحدة الأمريكية لتبريز مجموع من المزارعين تم تكوينهم في طريقة جديدة للزراعة، قصد المصادقة على كون هذا التكوين المهني يراعي المعايير العلمية للإجازة والتكوين( وهو ما يفسر الطابع التنفيدي لهذا الديبلوم الذي تلقاه السكوري قبل مناقشة الدكتوراه بمدرسة عليا وطنية، والذي يمنحه كذلك في إطار جامعة خاصة يديرها). ربما قد فاته أن أساس حرفة التعليم هو بيداغوجيا التلقين وليس فقط ما يتم تلقينه من معلومات. التي تكاد تكون فقط ذريعة لفلسفة التعلم. وهذه البيداغوجيا تختلف باختلاف المتلقي المستهدف الذي يتم توزيعه لفئات ومراحل. والمثير للسخرية هي أن السيد وزير التشغيل كانت له جرأة كبيرة أن يستعمل في تلقين مفهوم بسيط للدولة الإجتماعية بيداغوجيا الست إلى ثماني سنوات، أمام جمهور ضمنه أساتذة جامعيون وإقتصاديون ورجال قانون وعلوم سياسية وتراجمة وشعراء كبار، ناهيك عن قادة الأحزاب السياسية من مختلف الأطياف! عادي، لأنه اكتسب الثقة في هذا الباب حين جاء إلى البرلمان محملا ب”صندوق سحري” فيه مطبوعات تقديم برنامج أوراش. وأخد يشرح أمام البرلمانيين، كل البرلمانيين بمختلف مستوياتهم التعليمية، مفهوم الدولة الإجتماعية. في نوع من استعراض العضلات الفكري، حتى لا نقول “الستريبتيز السياسي”، ظن معه الوزير الشاب أنه سيقنع ويبهر، ولم يتم مجازاته إلا بنزع كعكة “فرصة” منه ومنحها لزميلة له في الحكومة. تماما كما تنزع من المواطنين كثير من الأماني بالكثير من العناية. وربما كان رد فعل السيد السكوري الإنتقال إلى محكية أخرى غير محكية “أوراش”، تماما كما جاءت “محكيات” و “روايات تخييلية” عديدة بعد برنامج “مقاولتي” الذي جن معه عدد من الشباب من جراء الإحباط. وآخرون ذهبوا إلى السجن من تبعات القروض. ولم يكن للسيد الوزير من جواب في برنامج “مع الرمضاني” عن مصير هؤلاء، غير التأسف لهم والحسرة.
وهاهو يذكرنا كحكواتي موهوب بنصيحة والده بعد شرف نيله لثقة صاحب الجلالة بتعيينه في الحكومة، والمتمثلة في أن يضع نصب عينيه أن تكون أعماله بالوزارة ذات نفع على المحتاجين! لقد انتقل السيد وزيرالتشغيل والإدماج الإقتصادي في درسه الرمضاني للمفاهيم الكبرى إلى باب اللسانيات وأخد يشرح لنا الفرق بين مصطلحي الشغل والتشغيل باللغتين العربية والفرنسية. وكل هذا كان من باب التسخينات في فعل التمسرح السياسي الذي استدعانا لتلقيه. لأنه سينطلق حقا في رقصته المعاصرة على حبال الديماغوجية حين سيحكي لنا، قبل الجواب عن سؤال الصحفي المفتتح للأسئلة والذي آخده على كونه يتحدث بحماس عن الدولة الإجتماعية وكأنها تحققت بالكامل في البلاد وبين العباد، عن قصة صداقته مع هذا الصحفي واتصاله به هاتفيا ليطلب منه كتذكار “حامل مفاتيح” بعلامة الموقع الصحفي الذي يشتغل به. ليعرج بعد ذلك على الجواب… وكأنها الحكومة تريد مفاتيح الصحافة بكاملها ولا مجال للمعارضة ولا لسلطة رابعة! وتلك حكاية أخرى…
– من جهة ثانية، في معرض حديثه عن تحقق الدولة الإجتماعية بشكل عملي في برامج الحكومة، تحدث صديقنا الوزير ربما عن بلد آخر يصعب التصديق أنه المغرب. فهل يكفي دعم خمسمائة درهم ودعم السكن، لنقول أننا في دولة إجتماعية؟! خلنا مع حديث السيد وزير الإدماج الإقتصادي أن الشعب بأكمله اندمج اقتصاديا، وتم تمكينه من التطبيب والتعليم والشغل والعيش الكريم وبكرامة وحريات فردية وجماعية. الوزير بالغ في بيع الوهم وتصوير السراب وهو ما اختاره في خطابه، بدل المصادرة على المطلوب التي ألفناها مع هذه الحكومة. بل وحتى المصادرة على مفاهيم هي في الأصل إشتراكية وتقدمية محورها العدالة الإجتماعية، ربما فرضتها معطيات اقتصادية ومؤشرات دولية، فأخدت الحكومة تستعملها في الخطاب. ناهيك عن كونها توهمنا أن مبادرات ملكية يتعين عليها حسن تنفيدها، هي أوراش لها وحدها دون سائر فعاليات المجتمع ومؤسساته الدستورية التي تسير وراء تعليمات صاحب الجلالة وتسعى إلى أن تلقى هذه الأوراش الكبرى طريقها إلى التنفيذ. إن مسألة المصادرة على المفاهيم والإنجازات وصلت بصديقنا الوزير إلى الحديث عن أكاديمية حزبه، التي قال في ختام ندوته أنها فضاء مفتوح حتى على غير المنتمين للحزب، حتى لا يمارس الأعضاء “زنا المحارم” فيما بينهم وقد قالها بالفرنسية طبعا. وكأن حزبه هو الوحيد الذي يتوفر على هكذا فضاءات ومنظمات موازية لتعميق النقاش الفكري والمجتمعي وكذلك الإستقطاب!
إننا في خلاصة الأمر أمام نموذج لسياسيين جدد بقدرما هم بعيدين عن الواقع وانشغالات المواطنين، بقدرما يفتقرون كذلك إلى التكوين السياسي الصرف، فمن تكون منهم في فضاءات مدنية وجمعوية على أحسن تقدير، لم يمارس السياسة إلا وهو مباشرة قيادي للحزب وله مسؤوليات انتدابية في البرلمان وغيره. ثم وجد نفسه في الوزارة، ربما بعد المرور من دواوين ولجان وغيرها، لكنه لم يشغله تأطير المواطنين عن قرب ولم يكن له خطاب سياسي وإيديولوجبا ونمودج مثالي للدولة يدافع عنه. فقبل الدولة الإجتماعية وغيرها من نماذج بناء الدولة ككيان تجريدي للقانون العام، كانت المدينة الفاضلة ولا يمكن أن تكون فاضلة إلا بالقيم وعلى رأسها الديموقراطية. ولاديموقراطية بدون ديموقراطيين.
وفي ختام المقال، لابد أن نشير من باب الإخبار ليس إلا، أن السيد محمد مهدي بنسعيد، عضو القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، قد اختار من جهته أن ينظم لقاءا رمضانيا تحت علامة الحزب، لا بصفته وزيرا في الحكومة، وأن يحاوره شباب ضمنهم عدد هام من أعضاء الحزب حول الشباب والممارسة السياسية. وذلك بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. وربما كل علاقة أو اختلاف بين النشاطين وتوقيتهما والغايات منهما ومقاربة كل من أبطالهما هو من باب الخيال والصدفة، كما تقول العبارة الشهيرة في جنريك الأفلام والمسلسلات.