غالي و ضريبة الظهور الإعلامي الزائد (بقلم: د. عبد الدين حمروش)

“خسر المنتخب المغربي لكرة القدم المقابلة أمام جنوب إفريقيا أمس. يمكن ان نبحث في أسباب الخسارة هاته، دون ان يخرج الموضوع عن الإطار الرياضي. شئنا أم أبينا، سيبقى هناك منتخبان في النهائي، ليفوز واحد بالكأس في ختام العرس الكروي الإفريقي. هل معنى ذلك أن “منتخب المقاومة” فاز على “منتخب التطبيع”، حسب معادلة الحقوقي عزيز غالي؟

في هذا المقال، سيتم تجاوز “التعليق” على التدوينة، من باب تسجيل وجهة النظر أو الموقف، إلى الوقوف على طبيعة المقاربة، التي بنى عليها غالي مفاضلته بين المقاومة والتطبيع، في موضوع ذي صلة بكرة القدم. وأتصور أن العودة إلى التدوينة مطلوبة، من منطلق تحليلي لمقاربة معينة، يتقاسمها عدد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين المغاربة”.

– نص المقال:

أصبح عزيز غالي، الوجه السياسي والحقوقي، ضيفا أثيرا لدى إعلام الوسائط الاجتماعية. تدخلاته، في معظم حواراته، باتت تحظى بمتابعة نشيطة، من قبل فئة من المتابعين.

ولا يخفى أن الرجل يتميز بحس نقدي، في أثناء تشريحه لطرق تدبير ملفات الشأن العام ببلادنا. وتزداد قوة تدخلاته وضوحا وتميزا في ما يتعلق بالقطاع الصحي، والصيدلي، الذي هو تخصصه، تحديدا.

غير أنه في الفترة الأخيرة، بتنا نلاحظ كثرة “خرجات” غالي الإعلامية. ومن تلك الخرجات،
تدوينته التي نشرها حول المقابلة الكروية الأخيرة، التي جمعت بين المنتخبين، المغربي والجنوب الإفريقي. القصد متجه، هنا، إلى تدوينة، جاءت في صيغة سؤال- مفاضلة، لاستمزاج آراء المغاربة، بين من يطلب الفوز للمنتخب المغربي، ومن يطلبه للمنتخب الجنوب- إفريقي.

في الحقيقة، لم يكن لهذا السؤال الاستمزاجي أي أساس موضوعي للطرح. وإن كان الناس احرارا في اختياراتهم، بمناصرة هذا المنتخب أو ذاك، إلا أن المتفق عليه هو أن تناصر كل فئة وطنية منتخاباتها الوطنية (في مجالات الرياضة، والفن، والعلم، إلخ). كل الاعتبارات المختلفة، من شأنها أن تزول في مثل هذه المواضيع/ القضايا، التي يخط فيها عنوان الوطن بالبنط العريض. هذا هو الطبيعي.

عقدة المنشار، في ما كتبه غالي، أين تكمن إذن؟ بعودتنا إلى السؤال المطروح، سنجد أن في صيغته إقحاما سياسيا زائداً عن الحد، يتمثل في ربط المنتخب الوطني بالتطبيع، والمنتخب الجنوب – إفريقي بالمقاومة.

وكما يلاحظ، فمسألة المفاضلة بين المنتخبين لم تعد مرتبطة بالخلفية الوطنية، ولا بالأهلية الكروية (من يلعب أفضل)، وإنما صارت مرتبطة بشيء آخر، أساسه الاصطفاف في أحد محورين: إما المقاومة أو التطبيع.

شخصيا، أجد كثيرا من الضيق إزاء المعادلة المطروحة، بصفتي مواطنا مغربيا، ليس هناك ما يحول أمامه دون ان يصطف، في الموقف السياسي، مع “المقاومة”، وليس هناك ما يحول، أيضا، دون ان يصطف، في السياق الرياضي، مع منتخبه الوطني.

ما من شك في أن ضمن معادلة غالي أكثر من التباس. فهي تقحم موضوعا في ما لا يقبل الاقحام، أي السياسة في الرياضة، وبالاسلوب المعبر به في المعادلة. هذا، كما ان هذه المعادلة تجعل، بغير حق، المنتخب الوطني معادلا مباشرا للطرف الرسمي (الحكومة، الدولة)، الذي تبنى خيار التطبيع مع دويلة الكيان. هل سألنا اللاعبين، فرديا، مثلا، إن كانوا مطبعين أم لا؟ وحتى إن كانوا مطبعين، جدلا، هل سألنا باقي المغاربة عن مدى انصراف تطبيع هؤلاء (اللاعبين) عليهم، أي من هم رافضون للتطبيع في أغلبيتهم؟

الأخطر من كل ذلك، أنه إذا سلمنا بمعادلة غالي الحدية، فسيكون جميع المغاربة في موقف لاعبي المنتخب الوطني، مثلا، حين يمثلون “المغرب”، في أنشطتهم ومبادراتهم، فردية كانت أم مؤسساتية، داخل الوطن أوخارجه. المغاربة كافة يصبحون مطبعين، بحسب معادلة غالي، لا لشيء إلا لكون دولتهم مطبعة. وفي الواقع، لم يكن للدولة، بأي حال من الأحوال، أن تستبعد اختيارات الناس، في رفض سياساتها، قليلا أو كثيرا.

لقد انبرت مجموعة من الأقلام الإعلامية لمهاجمة غالي، بسبب الإدانة القبلية لمواقفه، أو بسبب البحث عن “الترند” الإعلامي. اما بالنسبة إلينا، فما أثاره “الرجل” يستحق قدرا من التحقيق، ولكن من منظور سياسي- فكري أوسع، أكثر قابلية للمناقشة والتحليل الهادئين. ولعل هذا ما جاء عرضه، ولو في هذه العجالة، من خلال الخروج بهذه الخلاصة: معارضة السياسات الرسمية، لا ينبغي ان تكون مسبقة، جذرية وحاسمة في جميع القضايا. كما لا ينبغي أن تسقط هذه المعارضة على جميع الملفات، ومنها الملف الرياضي الذي نحن بصدده.

في الأخير، نريد الإشارة إلى أنه حين يتم إبداء مثل هذا الرأي، ليس في الوارد تخوين أي أحد، كما ليس في الوارد إلغاء أي وجهة نظر، حتى ولو كانت متطرفة في ما تزعمه، وتدعيه. إنما الأمر يتعلق بتحليل “رأي”، له من يتبناه من بعض المواطنين.

أعتقد أن خيرا فعل غالي، حين بادر إلى حذف تدوينته من على حائطه. كما أعتقد أن الحس الفكري السليم، يأبى أن يتدحرج الموقف المسبق إلى ما تم نشره في التدوينة المعنية. الاتزان والتوازن مطلوبان في مثل هذه المقاربات، وإلا أصبحنا بإزاء معادلة أخرى: “المعارضة من أجل المعارضة”.