جنوب افريقيا، المغرب و فلسطين (بقلم: د. عبد الدين حمروش)

 

جنوب إفريقيا، دولة كبيرة في قارتها، والعالم كله. إضافة إلى كونها متقدمة تكنولوجيا، تقدم معظم دول الغرب، فهي دولة مسموعة الصوت في مختلف أمم العالم، وهيئاته القارية والدولية.

بالنسبة إلى العلاقة بدولة جنوب إفريقيا، فقد ثبت ان كانت هناك مساندة من المغرب لها، في حرب تحررها القاسية من الأبارتهايد، تحت قيادة الزعيم نيلسون مانديلا. هذا الأمر صار من وقائع التاريخ المحققة، وقد أقر بذلك مانديلا نفسه، في خطاب جماهيري له، بحضور أحد رجالات الحركة الوطنية، الدكتور عبد الكريم الخطيب.

ومع ذلك، فإن تعزيز العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا يظل دون مستوى التطلع، بحكم مناكفة حكام هذه الدولة الإفريقية للوحدة الترابية للمملكة. ومثلما تغيرت مواقف عدد من دول القارة الكبرى، أو على الأقل خفت حدتها، في ما يتعلق بالموقف من ملف “مغربية الصحراء”، فإن المطلوب من الرباط التزام “الصبر الاستراتيجي” تجاه بريتوريا، في انتظار ان تنضج الشروط الموضوعية، التي قد تؤدي إلى القطع مع سوء الفهم الدبلوماسي المستمر إلى اليوم.

من المؤكد ان العلاقة بجنوب إفريقيا، بالنظر إلى تاريخها وحيثياتها، تحتاج إلى تفصيل أكبر. ولذلك، نعتقد أن المجال لم يعد يتسع، هنا، إلا لإثارة ما أبلته الدولة الإفريقية المذكورة من بلاء، في جر كيان الابرتهايد الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية. فبعد ان باتت حرب اليمين الصهيوني على غزة روتينية، عبر ما ظلت تسوقه للمشاهدين، في كل العالم، من “وجبات ساخنة ” للتقتيل والتخريب والترويع، وفي ظل تواطؤ معظم الدول الغربية والعربية، “خرجت” جنوب إفريقيا لتكسر هذا الصمت المتواطىء، ضد إخوتنا في غزة والضفة على حد سواء.

لحظة ان استسلم العالم لآلة الحرب الصهيونية، وهي تعيث خراباً ودمارا وقتلا في غزة، بادرت جنوب افريقيا، معززة بتاريخها النضالي ضد الابرتهايد، إلى جر دولة الاحتلال إلى لاهاي. ومثلما انتهت إلى ذلك كثير من الآراء الدولية المعتبرة، فقد أدينت اسرائيل بتهمة “جريمة الجرائم”، بالفعل، حتى قبل ان تصدر المحكمة قرارها الأخير. المرافعات الجنوب- إفريقية، المدققة والمفصلة والموثقة بالوقائع والتصريحات الرسمية، أصابت صانعي القرار الإسرائيلي بالجنون. من كان يتوقع ان كيانا بنى وجوده على استثمار “المحرقة”، من اجل تخويل حكومته وجيشه فعل اي شيء، ضدا على القانون الدولي- الإنساني، سيجد نفسه أمام تلك المرافعة الإفريقية القانونية القوية؟

عمليا، من المنتظر ان تصدر المحكمة قرارها العاجل بإيقاف الحرب على وجه السرعة، منعا لاستمرار الإبادة الجماعية، الحاصلة منذُ أكثر من ثلاثة اشهر. وعلى الرغم من ان القضاة ينتسبون إلى المحكمة، بصفتهم ممثلين لدولهم الأصلية، ومن بينهم المغربي الأستاذ محمد بنونة، بالطبع، الا ان المتوقع من قرارهم ان يكون نابعا من  ضمائرهم الإنسانية الحية، وبناء على وقائع الإبادة الموثقة. المحكمة هي آخر ملجأ للشعوب المستضعفة، ومنها الشعب الفلسطيني، بعد ان تم رفع الفيتو ضد إيقاف الحرب عليه، أكثر من مرة، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ما من شك في ان تأثير الدول الكبرى، المتحكمة في القرارات الأممية، في شخص ممثليها داخل المحكمة، ستكون نتائجه كارثية على القانون والسلم الدوليين، ان تحققت بصورة سلبية، و في قضية عادلة، مثل القضية الفلسطينية، التي باتت تحوز تعاطف مختلف شعوب العالم.

شكرأ لجنوب إفريقيا، التي نابت عنا -نحن العرب- حين ألقت حبلا، نرجو ان يكون طوق نجاة بالنسبة إلى أهلنا في غزة من الإبادة الجماعية من جهة، وحبل إعدام حول “عنق” حكومة اليمين الصهيونية، من جهة ثانية