المغرب بوجهين.. (بقلم: د. عبد الدين حمروش)

يعبر كثير من الزائرين الأجانب إلى المغرب عن دهشتهم من التطور، الذي يشهده المغرب على مستوى بنياته التحتية. وفي غير ما مرة، يبدو نشازا إبداء وجهة نظر مغايرة، تجادل في التطور المذكور، ولو من منظور نقدي إيجابي. هل تطور المغرب، فعلا، في بنياته، من طرق، وقناطر، ومطارات، وموانىء، وسدود، وغير ذلك؟

للإجابة عن هذا السؤال، يمكن الإحالة، بالملموس، إلى الطول الكيلومتري الذي بلغته الطرق السيارة المنجزة، كما يمكن الإحالة إلى المطارات والموانىء الموسعة، فضلا عن المشاريع التي بدىء العمل لإنجازها، اوالأخرى التي برمجت، في انتظار الشروع في إنجازها.

لايمكن لأي واحد ان يكذب عينيه، حين يرى عددا من المشاريع قد تحققت على أرض الواقع. ومن حق الأجانب، الأفارقة والعرب بخاصة، الذين يزورون مدننا في الرباط، او طنجة، أوالدار البيضاء أو مراكش، ان يحاججونا في ما يرون ان بلادنا وصلت إليه حقيقة، على مستوى التطور الملحوظ في بنياتها التحتية. هؤلاء الأجانب، الذين يعودون إلى زيارة بلادنا، مرة تلو المرة، كثيرا ما ينتبهون إلى ان هناك تطورا قد حصل في زياراتهم الأخيرة، بالمقارنة مع الزيارة السابقة. المغاربة المهاجرون في أوروبا وغيرها، يلاحظون الأمر ذاته: تطور البنيات التحتية، وبالمقارنة مع الإمكانات المالية للبلد.

حين نفتح اعيننا على ما تم تحقيقه، ينبغي تسجيل ثلاث ملاحظات أساسية:

– عدم شمولية هذه البنيات لجميع مدن المغرب وقراه. وإذا كان الزائر يتفاجأ بمستوى التقدم الحضري، الذي وصلته مدينة، مثل الرباط، فإن الزائر ذاته سينصدم من “البؤس” الحضري، الذي تشهده مدن أخرى، مثل سيدي قاسم أو مشرع بلقصيري. وللإشارة، فقد احببنا التمثيل بالمدينتين الأخيرين، وهما تقعان في محور الرباط، لنتخيل مدى ما يمكن ان ترزح تحته مدن أخرى نائية في الصحاري والجبال؛

– انحدار المستوى الاجتماعي للأغلبية الساحقة من المغاربة. وبذلك، فإن التطور الملحوظ في البنيات لا يشكل، بتاتا، معادلا موضوعيا على ان هناك تطورا في المستوى المعيشي (التغذية، الصحة والتعليم). الهشاشة والفقر، هما السائدان لدى معظم المواطنين، على الرغم من كل المحاولات التي باشرتها الدولة، للحد من تفاقم البؤس الاجتماعي، وبخاصة في ظل أزمة عالمية متفاقمة (كورونا، أزمة الطاقة، إلخ).

– اتساع حجم المديونية، إلى الحد الذي يمكن ان يهدد الاستقلالية المالية للبلاد، وبالتالي يرهن مسقبل المغاربة. فإذا لم تكن المشاريع موجهة إلى الاستثمار في ما يحسن من حياة المواطنين من جهة (خلق فرص الشغل، إلخ)، وما يذر على الخزينة من أموال من جهة ثانية، فإنها تصبح حملا ثقيلا على عاتق البلاد والعباد.

يشهد المغرب، في السنوات الاخيرة، تحديات كثيرة، منها تمدد الجفاف وحدته، التضخم وارتفاع الأسعار، الاضطراب الجيوسياسي إقليميا ودوليا (ما يجعل جزءاً من الميزانية يتجه إلى تمويل صفقات شراء السلاح). كل هذه التحديات تأتي في سياق استعداد المغرب لتنظيم كأس العام (2030)، ما يفرض عليه ابتداع سبل لاستقطاب الاستثمارات الدولية، للاستمرار في تهيئة بنياته المونديالية، الكفيلة بتشريف صورته على الصعيد القاري والعالمي