كثر الخوض في أسباب عدم مشاركة موريتانيا في اشغال الاجتماع الوزاري، الذي انعقد بمدينة مراكش، يوم السبت 23 دجنبر الجاري، بشأن المبادرة الملكية الخاصة بتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الاطلسي. عدم تفاعل الجار الجنوبي مع بعض المبادرات المغربية، غالبا ما كان يقرأ على أنه توجس موريتاني من رد فعل النظام الجزائري، الذي لا يريد ان يميل ميزان العلاقة إلى صالح المغرب. وعلى الرغم من ان الحكومة الموريتانية مازالت تحافظ على اعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة، الا ان المغرب بقي “إيجابيا” في علاقته بها، بحكم أواصر التعاون التي ظل يعقدها مع أشقائه الموريتانيين في مختلف المجالات.
لا نختلف حول الدور الجيوسياسي، الذي غدت تضطلع به موريتانيا ضمن ما يسمى دول الساحل والصحراء، في محاربة الإرهاب. يضاف إلى هذا، ما باتت تكشف عنه الأرض الموريتانية من ثروات طبيعية، وفي مقدمتها الغاز خلال الفترة الأخيرة. ولذلك، من الطبيعي ان نجد قدرا من التنافس على طلب “ود” الموريتانيين من الروس والصينيين، بموازاة مع الفرنسيين والامريكان بالطبع.
في ما يتعلق بالمغرب، فقد ظلت موريتانيا تشكل له عمقا جغرافيا بالمعنى السياسي، وبخاصة في إطار الانفتاح على عمقه الإفريقي. والحقيقة أنه إذا كانت موريتانيا بوابة المغرب الإفريقية، فإن المغرب، من جهته، يشكل بوابة موريتانيا الأوروبية. ما من شك في ان هناك توازنا في العلاقة الجيوبوليتيكية لكلا الجارين. وكل قراءة من جانب واحد، دون مراعاة لمصالح الآخر، قد تعود باختلال التوازن المرعي بالنسبة إلى كليهما.
في هذا الإطار، يمكن فهم تجاوب نواكشوط مع مشروع أنبوب الغاز النيجيري- المغربي، العابر لعدة دول افريقية، في اتجاهه نحو أوروبا. ولذلك، لا ينبغي قراءة الغياب الموريتاني عن اجتماع مراكش على أنه امتناع عن الانخراط في المبادرة الأطلسية، بسبب التوجس من رد الفعل الجزائري السلبي.
كما هو معلن عنه، فالمبادرة الملكية تعني دول الساحل، التي ليس لها نفوذ بحري، بشكل خاص. ولأن للمبادرة أهدافاً اقتصادية، في إطار نوع من التكتل الجديد بين عدة دول، فإن المطلوب انخراط موريتانيا، من موقع ما تحوزه من عمق جيو سياسي من جهة، ومن موقع ما تزخر به من مؤهلات طبيعية من جهة ثانية. وبحكم ان موريتانيا هي بوابة دول الساحل غير البحرية (تشاد، النيجر، مالي، بوركينافاسو) إلى المحيط، فإن انخراطها مطلوب لنجاح المبادرة، بما يجعلها تستفيد، هي الاخرى، من ثمرات هذا التكتل.
ومهما يقال عن الحياد الموريتاني، في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، فإن الحقيقة، التي لا ينبغي ان يشرد عنها بال المسؤولين الموريتانيين، هي ان العمق الطبيعي لديهم يكمن في المغرب: الجار المستقر، الهادىء المتعقل والمخاطب المتعاون.
ان المبادرة الأطلسية، فكرة مغربية أصيلة ومبتدعة. وكل من يقرأ تفاصيلها واهدافها، لا شك في أنه سيعترف بأهميتها، ومن ثم سيقدر العقل الاستراتيجي الذي انتجها. المبادرات الكبرى، كالعادة، تكون خلفها أفكار كبرى. ومن لا فكرة له، مثل من لا يحث عقله الا على سرقة أفكار الآخرين، لا يمكن له ان يؤسس لمبادرة، ولو كانت صغيرة في حجمها وقدرها.