بقلم: عبد الدين حمروش
وهل انقطع التفكير، يوما، في الارض: أدبيا، وفلسفيا، وجماليا؟ تبدو الأرض إطار كل شيء، مادامت “البيضة” الحاضنة للحياة بكل بساطة. إنها المادة، والقماش، والألوان، والإطار، والأبعاد، والثيمة. لذلك، من الطبيعي ألا نبرح “الأرض” إلا لنعود إليها. الذات منغمسة في الموضوع، انغماس السمكة في حوض الماء.
مادياً، لشد ما تتمظهر الأرض، في أعمال الفنان مصطفى غزلاني، على مستوى المواد الصباغية، والألوان واشتقاقاتها. جميعها يحيل إلى الرحم الأول، وإن كانت تشكلات الخطوط والهيئات تأخذ طابعا تجريديا أكثر هذه المرة.
البحث في طبيعة المواد المستعملة، قبل استقامة المنحى التشكيلي للعمل الفني، مفيد من هذه الناحية. ومن هنا، فإن الإحالة إلى الأرض، ليست بذات طابع تشكلي فحسب، ناتج عن خيال الفنان وإبداعيته. بتعبير آخر، الأرض حاضرة، في أصل المادة من جهة، وفي طبيعة تشكيلها من جهة ثانية.
اعتقد ان قراءة ثيمة الارض، من خلال عناوين اللوحات، موفية بالغرض. فإضافة إلى “التسمية”، تضطلع العناوين المقترحة بوظيفة “التأطير”. في هذه الحالة، يستحيل الانفكاك عن الارض، باعتبارها مادة، وإطارا، وموضوعا.
هناك مفارقة صارخة، لا يفتأ ان ينتهي إليها القارىء. بقدر ما ينزع العمل إلى التجريد، بقدر ما يغرق في الإحالة. وظيفة الإحالة، ل اتستقيم بدونها أية قراءة لتشكيلات الفنان غزلاني الحالية. والإحالة إلى الارض، هنا، تقترن بالخوف عليها: الخوف على الحياة، على الإنسان نفسه، ضمن موجودات أخرى. ولذلك، لابد من التذكير بأن الفنان، وهو ينحو نحوا تجريديا في اعماله، إنما ينخرط في مقاربة السؤال الإشكالي الأبدي التالي: إلى أين تسير الارض؟ أو بالأحرى: إلى أين يسير الإنسان بالأرض؟