انقضت أيام العطلة أخيرا، مع بداية حلول شهر شتنبر، بأجوائه المتقلبة مناخيا بشكلٍ مبكر. وإن كانت هذه العطلة مبعث راحة، الا ان ما شهدته، خلال هذا الصيف، من ازدحام، وبالتالي من غلاء في الأسعار ( أسعار كراء الشقق المفروشة وغرف الفنادق، وبإزائها أسعار المواد الغذائية) فاق كل توقعات الميزانيات المدخرة، بالمقارنة مع كان عليه الوضع في السنوات الفارطة.
هكذا، أخذت تترسخ لدى المغاربة، خلال العقد الأخير، ثقافة السفر خارج مدن الإقامة، بل وتوسعت بنسبة لا سبيل إلى نكرانها. فبدل تقضية أيام العطلة، كما كان لدى الأقارب، في البوادي والمدن الشاطئية، صار تدبير أيام الاصطياف على “الحساب الشخصي” من ميزانيات الأسر نفسها، عبر كراء بيوت الاجارة، وكذا غرف الفنادق.
وعلى الرغم من تناقص القدرة الشرائية لأغلبية المواطنين، الا ان التنازل عن متعة الاصطياف صار في حكم المستحيل، بالنسبة إلى عدد كبير منهم. حتى خلال أيام الآحاد، بدأنا نلاحظ كثيرا من الناس اخذوا يقبلون، صحبة أفراد أسرهم، على ارتياد المقاهي والمطاعم. بدل ان كان ذلك مقتصرا على الرجال وحدهم، في معظم الاحيان، صار أرباب الأسر يصطحبون معهم زوجاتهم، إضافة إلى ابنائهم، حيث يمكن اقتطاع سويعات للاستجمام.
ما الذي يدفع المغاربة إلى التوسع في ظاهرة الاصطياف والاستجمام هاته؟ هل الظاهرة تتعلق بثقافة مستجدة، انتشرت عبر تقليد الأسر، بعضها لبعض، دون اعتبار للامكانيات المادية الواقعية؟ هل تتعلق بتطور في مستوى المعيشة، دلالة على تحسن ما في “الدخول” الفردية لأرباب الأسر؟ هل تتعلق باستجابة تلقائية لتصريف ضغوط نفسية ما، وفي مقدمتها “القلق” الآخد في الانتشار داخل الأوساط المدينية؟ هل هي ناتجة عن شيوع السلفات الصغرى، التي باتت الابناك تسهل الحصول عليها، لفائدة الراغبين في ارتياد الآفاق خلال العطلة؟
ما من شك في ان عنوان “المغاربة والعطلة” يحتاج الى مقاربة سوسيولوجية، وحتى نفسية أيضا.
وإذ أضحت ثقافة الاصطياف هاته تتأكد، لدى المواطنين، ما انفككنا نتابع اختيار بعض منهم الاصطياف خارج البلاد. وبذلك، غدا من الملموس تزايد عدد “الخارجين”، سنة بعد سنة، من مجموع نسبة الذين ترسخ لديهم “تقليد” العطلة. البحث عن فضاءات جديدة للاستجمام ب”الخارج”، في ظل وجود تكاليف مادية، لا تختلف عن نظيرتها بالداخل، بل ومنها ما هو أقل تكلفة، من المتوقع ان يشتد (البحث عن تلك الفضاءات) خلال السنوات القادمة. وفي إثر ذلك، من المتوقع، بالمقابل، ان يصرف المغرب على سياحة مواطنيه بالخارج، ما يفترض انه يجنيه من سياحة الأجانب بالداخل. إنه انقلاب ثقافي- اجتماعي (استهلاكي)، يشرف على ان يصل الى مستويات قياسية في المستقبل المنظور.
عاش المواطنون صيفا حارا هذه السنة، لم يسبق له مثيل في السنوات الماضية، بل وفي العقود والقرون السالفة. ومع هذه الحرارة القياسية، كانت هناك حرارة أخرى تمثلت في ازدياد عدد المقبلين على الاصطياف، وما رافق ذلك من ارتفاع في أسعار كراء الشقق المفروشة، وكذا أسعار غرف الفنادق.
وهم بذلك، أي المواطنين، إنما انطلقوا من سعيهم الأكيد نحو الاستمتاع بايام عطلهم، الصيفيّة وغير الصيفية. وليس من الوارد ان يتنازلوا عن هذا السعي “الجميل”، حتى ولو كان مسبوقا بتكلفة شهر رمضان، علاوة على ثمن اضحية “العيد الكببر”، أو “ملحوقا” بمصاريف الدخول المدرسي.
ليس هناك من مفر عن العطلة، حتى لو تمت التضحية بعيد الأضحى نفسه، الذي كان، إلى وقت قريب، ممنوع تجاوز الاحتفال بطقوسه. اليوم، “فين دوزت العطلة؟” هو السؤال المطلوب الإجابة عنه، بعد التحاق الموظفين باداراتهم، والتلاميذ- الطلبة بمؤسساتهم. اما في ما يخص تكلفة العطلة، “من أين جاءت؟ و”كيف دبرت” مصاريفها؟، فموعد الإجابة عنها في “كريدي” جديد من أقرب بنك بالحومة، او بمقر العمل.