شام البكور من الأنقاض إلى أعلى عليين (بقلم نور الدين الطويليع)

هي ابنة الحرب، فتحت عينيها على الأنقاض المتناثرة، وتعايش سمعها مع ذوي الرصاص…، تحمل بطاقة هوية حربية، فقد ولدت في الحرب المُتَشَئِّمَة، وعاشت سنواتها السبع متجرعة مرارتها، وعوض أن تكتفي بالاصطراخ، وأن تندب حظها التعس، وتبكي سنوات عمر قصيرة أتت عليها نيران أسلحة عمياء، لا تميز بين الصغير و الكبير… عوض أن تستسلم لواقع الرماد هذا ، قاومت لتنبعث منه بكامل حياتها وسموقها، ولتعانق، وهي تسمو في سلم التتويج، فرحة ربما لم تتعرف عليها، من قبل، ولم تلتق وإياها على امتداد سنوات العمر العجاف.

في هذا الحضيض شَامَتْ بطلتُنا المجدَ، وتطلعت إليه، ولم تبرح مكانها حتى أمسكت بتلابيبه، وأحكمت قبضتها عليه، ليدلها على طريقه السالك، وتنتزع منه كلمة السر “القراءة” التي بكرت إليها، وبكرت شجرتها منها، فأخرجت ثمارها مبكرا.

قد نستغرب حين نرى طفلة في عمر شام البكور بهذا التألق القرائي الذي يسحر الأسماع، لكن حين نستدعي السياق، سيزول هذا الاستغراب، فالحروب والشدائد والمحن هي المادة السحرية التي أنبتت على مر التاريخ عظماء الأدب والفكر والثقافة، أما الرخاء فلم ينتج سوى التراخي والركون إلى الكسل.

في تاريخنا الشعري إشارات واضحة إلى دور الحرب في صناعة الشعراء، و أثر السلم في افتقادهم، من ذلك ما جاء في كتاب طبقات فحول الشعراء لابن سلام: “وبالطائف شعر، وليس بالكثير، وإنما يكثر الشعر بالحروب التي تكون بين الأحياء، نحو حرب الأوس والخزرج، أو قوم يغيرون ويغار عليهم، والذي قلل شعر قريش أنه لم يكن بينهم ثائرة، ولم يحاربوا”.

يَصْدُقُ في شام البكور المثلُ القائل: “إن الخير قد يكون كامنا في الشر”، فهي خير صعد من قاع حرب صفصف، ليخبرنا أن سوريا ما زالت بخير، ويرسل عبر صوته الرخيم نداء السلام الملائكي، فهل من منصت؟