التمكين الاقتصادي للشباب (بقلم المامون شفقي)

توطئة:

أتت فكرة هذه المقالة من ملاحظة بسيطة مفادها أن ترديد مصطلحات و مفاهيم في المشهد المغربي العام لا يعني بالضرورة الانخراط الفعلي في استيعابها و تفعيلها على أرض الواقع، بل الملاحظ – للأسف – أن الأمر لا يعدو كونه كالموضة العابرة Effet de mode  في أحسن الأحوال إن لم يتعداه إلى وسيلة للاسترزاق على حساب فئات هشة من المجتمع في أمس الحاجة لمن يأخذ بيدها فعليا و يرسم أمامها سبل النجاح و طرق أبواب المستقبل بثقة.

انطلاقا من هذه الملاحظة و حتى نتجاوز مرحلة التشخيص إلى أفق الاقتراحات العملية، فإننا سنبسط في ما يلي تصورنا للعملية و سبل إنجاح أوراش التمكين الاقتصادي للشباب.

السياق:

بما أن الغاية من كل برامج و أوراش التمكين الاقتصادي للشباب هي تزويد الفئة المستهدفة بالمهارات و المعارف التي ستمكنها سواء من خلق مقاولة أو الاندماج بيسر في سوق الشغل، فإن تحقيق هذا الهدف رهين بفهم التحديات المطروحة أمام الاقتصاد اليوم و استشراف اتجاهات و تحولات المجتمعات في كل أبعادها و الاقتصادي منها بالخصوص.

و هكذا فإن الاتجاهات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، هي:

الرقمنة:   نحن أمام نمط جديد يعتمد على الرقمنة بوتيرة عالية Digitalisation à outrance، حيث لم تعد المقاولة تنتظر أن يأتي إليها العميل بل أصبحت تذهب إليه. هذا التحول الرقمي أعطى للعميل مكانة كبيرة و جعله في صلب العملية الاقتصادية. و هكذا –على سبيل المثال- أصبح شيئا طبيعيا إن أردنا شراء منتج ما أو الاستفادة من خدمة أن نطلع أولا على تعاليق و انطباعات من سبق إلى ذلك.

الرقمنة أدت إلى ظهور مفاهيم جديدة كالسمعة الإلكترونية e-réputation     و كذلك إلى بروز أنماط جديدة للاستهلاك كخدمات التوصيل….الخ.

من الواضح أن المقال لا يسمح بتعداد كل التغييرات الذي فرضها هذا التحول الرقمي، بقدر ما هي فقط إشارة لضرورة تمكين الفاعل الاقتصادي للغد من أدوات أضحى تملكها شرطا للمنافسة و الاستمرار و التقدم.

البعد البيئي: أصبحنا نلاحظ تزايد نسبة الوعي بالمسألة البيئية نتيجة ما نعيشه من تغير مناخي و نتيجة كذلك جهود التحسيس التي يقوم بها الناشطون في مجال المحافظة على البيئة. كل هذا أدى إلى ظهور مستهلكين ،يحدث لديهم اهتمام المقاولة بالبعد البيئي، فارقا مهما و عاملا أساسيا في تفضيل منتج ما أو خدمة ما.

و يتجلى هذا في تركيز الخطابات الدعائية لكبريات الماركات العالمية على هذا البعد البيئي. و سواء أن تم هذا الأمر فقط لغايات انتهازية أو نتيجة وعي حقيقي، فإنه دليل على أهمية حضور المسألة البيئية في إستراتيجية المقاولة.

طبعا هناك اتجاهات و تحديات أخرى لا يتسع المقال لذكرها جميعا. لذا اكتفينا بالتركيز على العصرنة (الرقمنة) و المقاولة المواطنة (البعد البيئي).

المهارات:

يمكننا هنا التمييز بين مستويين من المهارات.

المستوى الأول: مهارات أفقية أساسية

و هي مهارات وجب توفرها في الراغب في خلق مقاولة أو في الاندماج في سوق الشغل، حيث أن التمكن منها ضروريا أيا كان مجال الاشتغال.

و نورد في ما يلي أهم هذه المهارات (الترتيب لا يعني بالضرورة الأهمية):

كتابة سيرة ذاتية احترافية

تقنيات البحث عن الشغل

كيفية إعداد و إجراء مقابلة توظيف

تقنيات التواصل

قانون المقاولة

التدبير المالي للمقاولة

المعلوميات

المستوى الثاني: مهارات خاصة بمجال الاشتغال

هنا نود التأكيد على مسألة في غاية الأهمية ألا و هي عدم التوقف عن الاطلاع و مواكبة المستجدات المتعلقة بمجال الاختصاص. و هذا ما يصطلح عليه ب “اليقظة” أو “La veille”.

هناك عدة أنواع من “اليقظة”، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

ü      اليقظة التكنولوجية

ü      اليقظة التنافسية

ü      اليقظة الاستراتتيجية

ü      الخ…

إن تكوينا في هذا المجال كفيل بجعل المتلقي على دراية بوسائل و طرق البحث و كذا بأدوات تخزين و تجميع و تحليل المعلومات المحصل عليها.

كما ينبغي أيضا أن يشمل التكوين كيفية تدبير ” اليقظة” داخل المؤسسة أو المقاولة.

التقييم و التتبع:

إن وضع معايير و آليات مضبوطة للتقييم و للتتبع هي الكفيلة بدراسة أثر أي عملية أو ورش للإدماج الاقتصادي للشباب.

و هكذا سنتمكن من تقويم الاختلالات التي تظهر في  صيرورة الإنجاز و كذا قياس مدى فعالية البرامج المتبعة.

على سبيل الختم:

هذه المقالة تناولت فقط الجانب التقني في عملية إعداد الشباب للإدماج الاقتصادي، و من الأكيد أن هناك جوانب أخرى – سنتناولها لاحقا – تساهم في هذا الأمر كالتشريع و خلق بيئة محفزة على الاستثمار ….