وصلت رسالة الدعوة الى القمة العربية، المزمع عقدها بالجزائر، الى الرباط، يوم أمس. حمل الدعوة وزير العدل عبد الرشيد طبي، وتسلمها نيابة عن الملك، محمد السادس، وزير الخارجية ناصر بوريطة. الرسالة وصلت، ووصلت معها رسالتان اخريان، لا تقلان اهمية من الناحية الرمزية:
– الرسالة الاولى: إقلاع الطائرة من مطار بوفاريك العسكري. وبحكم هيمنة العسكر على الحكم في الجزائر، يمكن للمهتم بتطور العلاقات المغربية- الجزائرية ان يتساءل عن مغزى إقلاع طائرة الموفد الوزاري من مطار عسكري، وليس من مطار مدني. أليس يحتمل ذلك رسالة ضمنية، قد يبعثها العسكر الجزائري، حتى وان كان الموضوع دعوة الى قمة عربية، من اجل “لم الشمل العربي”؛
– الرسالة الثانية: مدة الزيارة القصيرة، التي لم تتجاوز الساعتين، وضمنها بروتوكول تسلم الرسالة. في سياق ذلك، وعلى الرغم من لحظات الإستقبال القصيرة، التي وصلتنا بعض مشاهدها من مقر الخارجية المغربية، فإن الصور الواردة عبرها لم تحجب عنا تلك “القسمات” الباردة، الموغلة في الرسمية (حتى لا نصفها بشيء اخر)، عن طبيعة اللقاء الذي جرى بين الوزيرين.
لقد حرص النظام الجزائري على ان تكون الزيارة “جافة”، لا تتعدى نطاق الدعوة الى مؤتمر القمة بالجزائر ، يومي الفاتح والثاني من شهر نونبر المقبل.
بالطبع، الرسالة وصلت الى الرباط. ولذلك، فإن السؤال الكبير، الذي يمكن استخلاصه، في سياق مثل هذه الأجواء بين الدولتين، وضمنها أجواء تبليغ رسالة الدعوة، هو: كيف ستتعاطى الرباط مع “حدث” الدعوة ؟
ما هو مؤكد، حتى الان، اللهم الا ان تدحرجت العلاقات بين البلدين الى ما هو أسوأ -لا قدر الله- هو ان المشاركة المغربية في قمة العرب المقبلة ستحصل فعلا. وبالمناسبة، فقد كانت بعض القصاصات تحمل، حتى وقت قريب، اشارات ايجابية، عن تشجيع المغرب حلفاءه العرب على المشاركة في قمة الجزائر، بوفود تمثيلية عالية المستوى.
غير أنه في الفترة الاخيرة، وبخلاف ما كان ساريا، بدأت احتمالية مشاركة الملك، محمد السادس، في اشغال القمة، تتضاءل حسب بعض المتابعين السياسيين. على كل حال، يمكن للمغرب الاستمرار في نهجه الدبلوماسي الهادىء والمتعقل والايجابي، من خلال تكرار خطابات التقارب مع الأشقاء في الجزائر. المغرب ليس تحت اي ضغط، فهو في أرضه من طنجة إلى حدود موريتانيا، وبالتالي فهو لن يخسر شيئا، بتكرار دعواته إلى تسوية الخلافات بالحوار، والتفاهم، والتعاون. نحن لسنا مع من تأخذهم الحماسة الوطنية المبالغ فيها، بين الحين والآخر، الى درجة ان يدعوا إلى تصعيد الخطاب مع النظام الجزائري، اتقاء ان يقرا التعقل المغربي على أنه تودد (مؤشر على ضعف ما).
ومع ذلك، ان يكون على رأس الدبلوماسية المغربية، في قمة الجزائر، العاهل محمد السادس، فذلك يستوجب متابعة الأجواء إلى حين التئام الجمع العربي بالعاصمة الجزائرية. لقد ابان النظام الجزايري عن خشونة بالغة، في أكثر من موعد ومناسبة، باستفزازاته المتعددة للوفود المغربية، وعلى مختلف المستويات والاهتمامات.
لم تبلغ العلاقات المغربية -الجزائرية حد الشحن الشعبي، بل حد القطيعة التي فرضت على الشعبين، بإغلاق السفارات والاجواء، حتى خلال الفترات الأكثر حلكة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين. وبذلك، يكون النظام الشرقي قد تجاوز كل الحدود المرعية، بفرض نفسه طرفا مباشرا في الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية. وفي سياق ذلك، تعدت ردود فعله كل خطوط ما ظلت تدعيه، منذ ما يناهز خمسة عقود، اي: الدفاع عن مبدأ تقرير مصير الشعوب.
هل تكون قمة “لم الشمل”استثناء، بحيث يكتب لها ان تكون عربية في روحها ومعانيها، ومن ثم ان لا تتحول الى حدث صغير، لتصفية حسابات صغيرة؟