تجربة التصوير الفوتوغرافي بالمغرب تخطو بخطوات ثابثة رغم أن الصورة لا تحظى بتلك الأهمية التي نوليها لأعمال فنية كالصباغة والتنصيبات. إلا أننا لاحظنا مؤخرا بروز نوع من الترسيخ التاريخي للفن الفوتوغرافي بالمغرب، بدأ يفصح عن نفسه من خلال بعض التجارب التي عملت على قراءة التجارب المنسية، ورد الإعتبار لهؤلاء الرواد ولو أنهم لم يكونوا يتصورون أنغسهم أنهم يقومون بإنجاز أعمال فنية. إذ ظلت الصورة الملتصقة بأذهانهم وهي صورة المصور كمهني وأن عمله لا يهفو إلا إلى ضمان لقمة عيش كريمة.
إن هؤلاء المصورين في الاستوديو منذ القرن الماضي بمغربنا، تمت مقاربة عوالمهم من طرف المصور الفوتوغرافي المهدي مريوش، والذي انتبه بحسه الفني إلى هذه المنطقة التي يجب أن نسلط عليها الضوء، إنها ذاكرة منسية وتجربة طبعت بميسمها التجربة الأولى مع الكاميرا لأجيال كثيرة. إذ كانت الصورة مناسبة لتسجيل لحظة من لحظات الحياة التي كان لا بد أن تبقى على شكل صورة. في هذا المعرض لم يكن الهدف تمجيد ماض مضى ولكن وضع الأثر في تاريخ الصورة الفوتوغرافية في مغربنا المعاصر. إن دراسة سوسيولوجية حول تلك العلاقة الملتبسة للمغاربة مع الصورة منذ زمن، لمن شأنها أن تكشفت لنا أشياء كثيرة عن هذا الموضوع.
مؤخرا تم تقديم معرض فني تكريمي لمحمد شرادي (1938-2018) والذي يعد مصورا اسثتنائيا داخل الاستوديو الذي عمل به والذي تحول في الأخير إلى مقام هائل للإداع الفوتوغرافي. إن اختيار الجمعية المغربية للتصوير الفوتوغرافي للإحتفال بهذا الوجه المشرق في تاريخ التصوير الفوتوغرافي بالمغرب في الدورة الأخيرة لملتقيات الرباط للفوتوغرافيا، ينبع من قوة الإرث
الذي خلفه محمد الشرادي. إن الصور التي تم عرضها بقاعةمحمد الفاسي، تمثل زخما هائلا من الإبداع. إذ لم يكن الهدف الوحيد لهذا المصور أن ينجز صورة لمن دخل الأستوديو، بل كانت عينه تسعى للمرور عبر المنفذ الصعب والذي يشكل كينونة موضوع الصورة. لذا كان يجتهد في الإعداد لأخد الصورة عبر الإهتمام بزاوية الإلتقاط والإنارة، كما كان يتحين الوقت الذي يكون في مقام اللحظة الحاسمة لتجسيد إحساس بالأبدية. لم يكن محمد الشرادي يعيد الأشخاص إلى أنفسهم بل كان يمنحهم
صورة شيء لم يدركوا حتما كنه أعماقه. كما لو كان ينير عتمة الوجوه ويضعها في قلب الوجود الفعلي.
العودة إلى التاريخ ليست لنبش القبور، بل لبعث حياة أخرى في أعمال كان همهاأن تنير الوجوه، وهاهو وجه مصور كان خلف النور يرى النور.