في تاريخنا الحديث عشنا مفهوم التعبئة الشاملة للشعب المغربي بطلب من المؤسسة الملكية في المسيرة الخضراء عندما خاطب الملك الراحل الحسن الثاني شعبه بضرورة الإلتفاف حول مقدساته الوطنية و تنظيم مسيرة شعبية لتحرير أرضه من الإستعمار الإسباني لوأد مؤامرة تقسيم المغرب و فصل أقاليمه الجنوبية عن الوطن ، الشعب المغربي لبى النداء و كانت ملحمة المسيرة الخضراء و عودة الأقاليم الجنوبية لحوزة الوطن .
المسيرة الخضراء بفلسفتها الوحدوية واكبتها عملية توحيد للجبهة الداخلية و التي عرفت في الأدبيات السياسية المغربية ” بالإجماع الوطني” عندما تركت الأحزاب الوطنية (أجدد الاحزاب الوطنية) خلافاتها جانبا مع الراحل الحسن الثاني و إنخرطت في معركة التحرير .
توحيد الجبهة الداخلية كانت سندا كبيرا للمغرب الجديد بعد 1975 للصمود ضد مخطط إسقاط الدولة بإدخالها في حرب الصحراء المقدسة و الإنتصار فيها رغم التحديات الداخلية المزمنة بل إستطاع المغرب بحكمة مبدع المسيرة و بروح فلسفتها أن يكمل مشروع السدود التي بها يضمن المغرب اليوم الأمن المائي و جزءا كبيرا من أمنه الغذائي في سنة 2022 .
اليوم توضح بالملموس و بشكل مفضوح أن الدوائر الدولية المعادية للوطن تصر على إستحضار معاني الإستعمار و التبعية و تحاول إستهداف الأمن القومي للمغرب و إستقراره مستخدمة بعض الوجوه البئيسة من معارضة اليوتوب و مجموعة من العملاء في الداخل من تجار الأزمات و متلاشيات الفكر العدمي التيئيسي.
إستقرار الدولة المغربية ونجاح المحطات السياسية الداخلية و إسقاط بقايا الخريف العربي بشكل شعبي و ديمقراطي أربك حسابات الخصوم ، إستهداف الرباط اليوم صار غاية تجمع أطرافاً دولية عديدة على إختلاف مصالحهم، يظنون إن محاولة إشعال بؤر إحتجاجية إجتماعية أو إستخدام حملات إلكترونية منظمة و نشر تقارير حقوقية مفبركة سيعيد الروح إلى توازنات ما يسمى بالخريف العربي لإعادة رسم الخارطة الإقليمية وفق أهوائهم و مصالحهم .
حسابات خبراء «الجيل الرابع للحروب» في«المختبرات السياسية» كانت خاطئة، المايسترو المغربي يراقص الأفاعي في لعبة إستراتيجية دقيقة .. معركة تكسير العظام بدأت و بشراسة ضد المملكة الشريفة، الأعداء في الداخل و الخارج مصرون على عدم السماح للمغرب بالسير قدما في مسار التنمية، معارك ديبلوماسية طاحنة يخوضها رجالات المغرب بمختلف العواصم المؤثرة في القرار العالمي حفاظا على مصالح الشعب المغربي العليا بهدف تضييق الخناق و ضبط رقعة الشطرنج التي يتحرك فيها المرتزقة و عملائهم، المغرب مسلحا بعدالة الموقف المغربي و صوابية قراراته بديبلوماسية الصمت الإستراتيجي و الرد المناسب في الزمكان المناسب أربك الجميع ، لأنه يقدم صورة لدولة بمؤسسات قوية بظهير شعبي متماسك يقودها ملك مؤمن بعدالة القضية وفق نسيج مجتمعي يصعب إختراقه .
لعبة التوقيت هي مهمة جدا و المغرب دقق ساعته الديبلوماسية على الزمن السياسي للعاصمة الرباط و التمكن من المعلومة الدقيقة و إستخدامها مكنه من وضع خط أحمر مغربي صارم بمبدأ واحد هو الموقف الواضح الصريح الغير قابل للتأويل من الوحدة الترابية للمملكة ثم إرساء قواعد الإشتباك وفق مصالح المغرب العليا .
اليوم مع النجاحات ” السيادية ” التي حققها المغرب في ملف الوحدة الترابية و تمدد الديبلوماسية المغربية المتعددة الأطراف خدمة لمصالح الشعوب وفق مبدأ رابح / رابح فقد إرتفعت وتيرة الهجوم و إستخدام حملات التشكيك و التشهير و نشر خطاب التيئيس و العدمية للتأثير على الروح الوطنية و إختراق الشعور القومي للمغاربة .آخرها محاولة المس بالصورة الرمزية لأب الأمة بطريقة فجة خبيثة ، كدليل على إفلاس الأجندات المعادية و عدم فهمها و سوء تقديرها للموقف و فشلها في ضبط محددات العلاقة بين العرش العلوي المجيد و الشعب المغربي العظيم و دورها المحوري في تشكيل الوعي الجمعي للأمة المغربية .
فالرد الإستراتيجي للمملكة الشريفة إزاء هذا العبث هو تنزيل مضامين وتوصيات النموذج التنموي الجديد و الإنخراط في أوراش التنمية المستدامة و الحرص على الحكامة في التدبير و العمل على حماية الإستقرار و الأمن في ظل دولة المؤسسات القوية الحامية في مغرب دامج متضامن مزدهر و جريئ و مستدام تحت القيادة الشريفة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله و هذا لن يتأتى إلا بالتعبئة الشاملة لكل المغاربة، عن طريق إلتزام الفاعل السياسي بالخيار التنموي الشامل وفق مبادئ الحكامة الرشيدة و
الإبتعاد عن المعارك السياسوية و الإنتخابوية الجانبية التي تؤثر حتما في الزمن التنموي .
توحيد الجبهة الداخلية و الحفاظ على تماسكها هو المدخل الأساس للإسراع في المجهودات التنموية، اليوم و نحن على بعد أقل من أسبوع من الدخول الإجتماعي و أسابيع قليلة من الدخول السياسي الذي لن يكون عاديا كباقي الأعوام السابقة فالمغرب و معه العالم يمر من مرحلة إنتقالية دقيقة و فترة محاطة بأزمة إقتصادية بتداعياتها الإجتماعية المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، و تحديات جيوسياسية معقدة بحكم حجم تفاقم الإنتظارات المجتمعية والتحديات الاقتصادية التي فرضتها حالة اللايقين، لاسيما في ترابطها بالمجال الاجتماعي حيث أن الجميع اليوم ينتظر الإسراع في تنزيل البرنامج الحكومي الذي يبني فلسفته على مبدأ الدولة الإجتماعية المتضامنة