لم نعد نسمع عن ادريس الخوري إلا أخبارا قليلة. شيء ما إلتهم في غفلة عنا وجه رجل لا يمكن أن تنساه. لقد ترسخ في داخلنا مثل الوشم وهو الذي لم يكن يبذل أي جهد كي يمثل دور الكاتب المختلف والمخالف لكل ما يرسم الحدود. أما إذا بدأت في رسم قانون احترازي وبدأت تحسب العواقب، فلا مكان لك في زمرة هذا الرجل الذي يشعل الحرائق من حيث ما مر. النار هاته المرأة العجائبية والتي تعرف عمق الريح التي تجعلها ترقص تلك الرقصة الاستثنائية من أجل رسم إيقاع آخر للحياة. ليست النار دمارا بل حياة أخرى، بل رقصة أشبه برقصة زوربا اليوناني وهو يحتفل بالحياة كما هي.
لقد مضى الآن إدريس الخوري في ذلك الممر العميق، سيخطو نحو ظله متكئا على عكازه الذي طالما توحد بجسده حتى أنه كان يبدو في انصات سرمدي لهذا الوجود. يقفل ادريس الخوري بشكل نهائي ذلك الباب الذي كنا نطل منه وهو يتوسط أصدقاءه الأثيريين محمد زفزاف ومحمد شكري. أقفل باب تجربة كتابية وإنسانية لأصوات لم تكتم حدسها العميق لذلك النفاق المهول والذي كان يرخي – ومازال- بظلاله على مغربنا.
لم يختاروا الهامش ولكنه سرقهم من ظلهم، ومن خلال انخطافهم الشاسع بتلك الشخصيات التي رسموا وجوهها. لم تكن البلاغة تغويهم ولا اللغة كرسم للوحة جميلة. لقد دخلوا المغاراة العميقة والسراديب المسربلة برطوبة الضلال. لقد كشفوا وجه القبح فينا وجعلونا نهبط إلى الدرك الأسفل كي نرى أعطابنا. أخرجونا من عوالم الروايات المشرقية كي نقرأ أدبنا المجاور والمتاخم لحدود رسمناها سلفا كيوتوبيا جعلتنا نتعالى على واقعنا.
ادريس الخوري يبقى ذلك الأثر الذي لا ينمحى لجيل نحث في الصخر حساسية جديدة في الكتابة القصصية، لأنه أدخل ضجيج الحياة إلى صالونات المنازل المؤثتة بالحياء الزائف. وأيقظ الوحوش الليلية كي تكشف وجهها في ضوء النهار.
كانت المجازفة مغامرة هائلة ومحاولة محفوفة بالمخاطر، لكنها مهدت الطريق لاصوات أخرى كي تنفض عنها غبار المهادنة وتحتفل بالكتابة كانتفاضة قصوى ضد كل مايريد أن يرسخ الثبات لواقع في تحول دائم.