إذا ما تصفحنا إحدى البوابات التابعة للأمم المتحدة والمتخصصة في موضوع اللجوء والهجرة، نجد أن التعريف الذي تعتمده لصفة اللاجئ يرد كما يلي: “وفقًا لاتفاقية 1951 بشأن اللاجئين، يُعَرَّف اللاجئ على أنه كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك“.
وبالرجوع الى وضع الساكنة الصحراوية المتواجدة بمخيمات تندوف، نجد أنها لا تستجيب لاي من عناصر التعريف السالفة الذكر. فلا هي مضطهدة بسبب العرق ولا بسبب الدين ولا بسبب الجنسية ولا غيرها من الأسباب الأخرى، بل هي محتجزة قسرا من طرف نظام الجنرالات بالجزائر، من اجل خدمة اجندة انفصالية موجهة ضد مغربية الصحراء.
والهدف من ذلك بالنسبة للقائمين على قصر المرادية هو محاولة فاشلة لإيجاد موطئ قدم لجمهوريته المزعومة بين الكيانات التي يعترف لها القانون الدولي بصفة الدولة. ذلك أن مفهوم الدولة لا يكتمل إلا باجتماع صفات ثلاث، هي شعب قائم بذاته وتراب وطني وحكومة ذات سيادة معترف بها دوليا.
وإذا ما عرّجنا على تاريخ النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية، فسنجد أن النظام الجزائري تلقّف من فرانكو كذبة تواجد شعب صحراوي منفصل عن الشعب المغربي، كان الدكتاتور الاسباني قد أراد من خلالها اختلاق دولة جديدة فوق الصحراء المغربية اختلق لها شعبا منفصلا. بل ومن مهازل الاستعمار الاسباني أن أصيب الدكتاتور فرانكو فجأة ب “وعكة ديموقراطية” جعلته يخلق حزبا أسماه “حزب الوحدة الوطني الصحراوي” تمهيدا لتنظيم “استفتاء ديموقراطي” ليدفع الساكنة إلى التصويت لصالح إنشاء “دولة صحراوية” مرتبطة سياسيا بإسبانيا، وفق نوع نظام يقترب الى حد كبير مناطق الحكم الذاتي الحالية باسبانيا.
ومدفوعة بالامتعاض الشديد الذي خلفه لديها النجاح الباهر الذي حققته المسيرة الخضراء المظفرة وعوض أن ترد الجميل للمغرب الذي قدّم دعما سخيا لجبهة التحرير الوطني، قامت الجزائر بتلقف فكرة الشعب الصحراوي من الدكتاتور فرانكو وإعادة صهرها في بوتقة مشروع انفصال جديد ضد المغرب، ترعاه هاته المرة الدولة التي كانت تزعم كاذبة انها قبلة لحركات مقاومة الاستعمار بالعالم!
وفي إطار مخططها لاختلاق دولة وهمية لا وجود لها ولم يكن لها وجود ابدا قبل فترة الاستعمار، وبعد أن اختلقت كما ذكرنا كذبة وجود شعب صحراوي مستقل عن الشعب المغربي، وجدت الجزائر انه ينقصها العنصران المتبقيان. الا وهما التراب الوطني والحكومة المعترف بها دوليا.
لذلك لجأت الجزائر الى ردهات منظمة الوحدة الافريقية من أجل الحصول، لفائدة جمهوريتها المزعومة، وبطريقة غير شرعية تماما، لا من حيث المساطر ولا من حيث الشروط الموضوعية القانونية، على اعترافٍ تبحث من خلاله عن استيفاء الشرط الثاني.
وكما يعلم الجميع فهذا الاعتراف من طرف منظمة الوحدة الافريقية ثم من طرف وريثتها الاتحاد الافريقي لم ولن يحظ أبدا باعتراف الأمم الامتحدة، مما يجعله غير ذي قيمة قانونية دوليا. ومن بين تمظهرات ذلك، كون ما يسمى بممثل جمهورية الوهم بالأمم المتحدة ليس فقط لا يملك هاته الصفة بل وأيضا يوصف في الوثائق الأممية بممثل البوليساريو بنيويورك. فلا هو إذا يُعتبر ممثلا للجمهورية الصحراوية المزعومة ولا هو يملك صفة ممثل لدى الأمم المتحدة، بل هو مجرد ممثل لجبهة البوليساريو مقيم بمدينة نيويورك.
ومن اجل اكمال حلقات اختلاق الكذبات الثلاث، كان على الجزائر أن تبحث عن تراب وطني لجمهورية الوهم. وفي هذا الإطار، اعتمدت على مناورتين كل منها أكثر غباء من الأخرى.
الأولى عبر اقتطاع الجزائر لجزء من ترابها بولاية تندوف وتفويت سيادته لجبهة البوليساريو وذلك بشكل مضحك أصبح العالم معه يرى، باغتراب شديد، كيف ان الجزائر أضحت الدولة الوحيدة بالعالم التي تحتضن فوق ترابها “دولة” أخرى تتبادل معها السفراء والخطابات الرسمية.
وآخر تمظهرات هذا العبث الذي يجعل الجزائر محط سخرية العالم، أن كان قد تم استقبال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا، عند نزوله الى مطار تندوف، من طرف قياديين بالبوليساريو وفي غياب تام لاي مسؤول جزائري. من الواضح ان الجزائر كانت تبحث في ذلك دون جدوى عن نوع من دلالات السيادة السياسية لفائدة مرتزقة البوليساريو، لكنها لم تنتبه الى غباوة الموقف الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القائمين على قصر المرادية تنازلوا بذلك عن سيادة الجزائر!
أما الخطوة الثانية فكانت بنفس القدر من الغباء السياسي والقانوني. ذلك أن جنرالات الجزائر حوّلوا، في مخيلتهم القاصرة عن التفكير بمنطق سليم، المنطقة العازلة التي أحدثتها الأمم المتحدة من اجل السهر على وقف إطلاق النار إلى ما يسميه جيران السوء بالمناطق المحررة. تلكم كذبة أخرى انضافت الى ما سلف ذكره من ترهات، في إطار البحث الفاشل عن استيفاء مقومات الدولة.
وبالرجوع للتشريعات الاممية المتعلقة بوضعية اللاجئين، فإنها تقتضي أن يحصلوا على بطاقة اللجوء التي تخولهم التنقل بحرية والعمل بدولة اللجوء، فضلا عن الحق في الاختيار بين إمكانية العودة الى الوطن الام او الاستمرار ببلد اللجوء او التوجه نحو وجهة أخرى.
هنا فإن وضعية الساكنة المحتجزة بتندوف تُسائل الأمم المتحدة وبالخصوص السيد الأمين العام للأمم المتحدة وممثله الشخصي ستافان ذي ميستورا بشدة.
الا يعلمان أنه لا يوجد ولو شخص واحد بمخيمات الذل والعار بتندوف يحمل بطاقة اللجوء الأممية؟
الا يعلمان أن المحتجزين بالمخيمات لا يستطيعون التنقل خارجها وبالاحرى التنقل بحرية داخل الجزائر وذلك باعتبار انهم في وضعية احتجاز بمنطقة عسكرية؟
الا يعلمان أنه باستعمال خرائط غوغل من هاتفهما الشخصي يستطيعان بوضوح رؤية جدارات عسكرية تحيط بكل من المخيمات الأربعة بشكل يحولها الى أكبر سجن مفتوح لساكنة مدنية بالعالم؟
الا يعلمان أن صفة اللجوء ما هي الا ذريعة بالنسبة لجنرالات الجزائر من اجل استجداء المساعدات الدولية وبيعها بالسوق السوداء بالدول المجاورة؟
كلها تساؤلات يجب أن تضع الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها القانونية سواء من اجل وضع حد لهذا العبث المفاهيمي بمصطلح اللجوء أو من حيث مسؤوليتها الأخلاقية لوضع حد لوضعية احتجاز قسري للآلاف من المدنيين وسط صمت يقترب من درجة التواطؤ من طرف الأمم المتحدة التي لا تحرك ساكنا من اجل تصحيح المفاهيم وترتيب النتائج. الا وهي الكف عن وصف الساكنة المحتجزة باللاجئين بشكل لا يستجيب لمعايير القانون الدولي وكذا القيام، في أقرب الآجال، بإحصاء ساكنة المخيمات وبتزويدهم ببطاقة اللجوء وفرض هدم الجدران العسكرية المحيطة بمخيمات تندوف.