أخبارسياسة

الموقف الروسي من القرار 2797 في ضوء العلاقات المغربية الروسية

بقلم: محمد خوخشاني

بقلم: محمد خوخشاني

 

 

بين الحياد الدبلوماسي والمصالح الاستراتيجية

يشكّل امتناع روسيا عن التصويت على القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والمتعلق بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) وإقرار أولوية مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007، محطة مهمة لفهم مقاربة موسكو حيال هذا النزاع الإقليمي، خصوصًا في ظل توازنها الحذر بين المغرب والجزائر، وحرصها على حماية مصالحها في شمال إفريقيا.

ورغم أن موسكو لم تصوّت لصالح القرار، فإنها تجنّبت استخدام حق الفيتو، ما يعكس رغبتها في عدم معاداة المغرب أو الاصطفاف المباشر مع الجزائر والبوليساريو، في سياق دولي معقّد تتداخل فيه الجغرافيا بالطاقة، والمصالح الاقتصادية بالتحالفات الجيوسياسية.

أسباب الامتناع الروسي: حياد محسوب.

يستند الموقف الروسي من قضية الصحراء المغربية إلى منطق الحذر والبراغماتية أكثر من الأيديولوجيا أو التحالفات.
فموسكو تدرك أن المغرب يمثّل ركيزة استقرار في غرب المتوسط وشريكًا اقتصاديًا واعدًا في إفريقيا، في وقت تعيش فيه روسيا عزلة غربية متزايدة بسبب الحرب الأوكرانية.

لذلك جاء الامتناع عن التصويت تعبيرًا عن موقف حيادي محسوب يقوم على:

1. الحرص على التوازن الإقليمي: روسيا لا تريد خسارة الجزائر، حليفها التاريخي في مجال التسلّح والطاقة، لكنها أيضًا لا تريد مواجهة مع المغرب الذي بات فاعلًا مؤثرًا في القارة الإفريقية وفي العلاقات جنوب–جنوب.

2. الاعتراف الواقعي بجدية المقترح المغربي: الخطاب الروسي الرسمي لا يعارض صراحة مخطط الحكم الذاتي، بل يصفه بأنه “مبادرة تستحق الدراسة ضمن حل سياسي توافقي”.

3. الابتعاد عن التصعيد داخل مجلس الأمن: موسكو تركت الباب مفتوحًا أمام الحوار دون اللجوء إلى الفيتو الذي كان سيُفسّر كعداء مباشر للرباط.

الاعتبارات الاقتصادية والتجارية

الشق الاقتصادي يلعب دورًا جوهريًا في صياغة الموقف الروسي

فالتبادل التجاري بين البلدين تجاوز في بعض السنوات 2 مليار دولار، خاصة في مجالات الفلاحة، الفوسفاط، الصيد البحري والطاقة.

ويُعتبر المغرب أحد أبرز مصدِّري الخضروات والفواكه إلى السوق الروسية منذ فرض العقوبات الغربية على موسكو سنة 2014.
كما تربط البلدين اتفاقيات تعاون في الطاقة النووية السلمية والاستثمار الزراعي، بالإضافة إلى شراكات واعدة في الأسمدة ومجال الأمن الغذائي.

كل ذلك جعل موسكو حريصة على عدم تسييس العلاقات الاقتصادية، بل فصلها عن الخلافات الجيوسياسية، بما في ذلك قضية الصحراء.

بعد تاريخي: من التفاهم إلى الشراكة

تعود جذور العلاقات المغربية الروسية إلى القرن الثامن عشر، حين تبادل الطرفان البعثات الدبلوماسية في عهد السلطان محمد بن عبد الله والقيصرة كاترين الثانية.

لكن التأسيس الحقيقي للعلاقات الحديثة تم بعد استقلال المغرب سنة 1956، حيث اعترف به الاتحاد السوفييتي سريعًا وأقام معه علاقات دبلوماسية متينة.

وقد عبّر السوفييت في تلك الفترة عن تفهمهم لموقف المغرب من وحدة ترابه، منتقدين السياسة الاستعمارية الفرنسية التي خلّفت تقسيمًا مصطنعًا في المنطقة.

ورغم أنهم لم يعلنوا رسميًا دعمهم لمغربية الأراضي الموريتانية، فإنهم تبنّوا موقفًا رافضًا للتفتيت الاستعماري ودعوا إلى تسوية سلمية تحفظ وحدة شعوب المنطقة المغاربية.

أما في العهد الحديث، فقد بدأت مرحلة التمتين الفعلي للعلاقات سنة 2002 بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون خلال زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو، ثم زيارته الثانية سنة 2016 التي فتحت آفاقًا أوسع للشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

موقف براغماتي طويل النفس.

يتضح إذن أن الموقف الروسي من القرار 2797 ليس انعكاسًا لمجرد تحفظ دبلوماسي، بل ترجمة لعقيدة سياسية ثابتة لدى موسكو تقوم على:

● احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها،

● رفض فرض حلول خارج التوافق السياسي،

● والحفاظ على قنوات تواصل متوازنة مع جميع أطراف النزاع.

بهذا المعنى، فإن روسيا لم تعارض المغرب، بل امتنعت عن الصدام معه، إدراكًا منها أن المملكة أصبحت شريكًا لا يمكن تجاوزه في إفريقيا، وأن مستقبل الاستقرار الإقليمي يمر عبر حل واقعي يستند إلى المقترح المغربي للحكم الذاتي، باعتباره الإطار الوحيد القابل للحياة سياسيًا ودبلوماسيًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci