
بقلم: سعيد بوعيطة

يلاحظ المتتبع للشأن السياسي اليوم، تسارع مجموعة من الأحداث بخصوص قضية الصحراء المغربية، والنزاع المفتعل بين الجزائر والمغرب، وأهمية تلك الوساطة الأمريكية التي قادها مبعوث خاص من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لتدخل المنطقة في سباق ديبلوماسي مكثّف. من الممكن أن يُفضي بحسب الملاحظين، إلى توقيع اتفاق بين الطرفين. كما يؤشر هذا التحرك الأمريكي من جهة أخرى، على عودة واشنطن إلى مسرح شمال إفريقيا بقوة بعد سنوات من الغياب النسبي. خاصة في وقت تزايدت فيه المنافسة الجيوسياسية بين الصين وروسيا وتركيا على المنطقة. مما لا يمكن معه اعتبار التحرك الأمريكي، مجرد مبادرة رمزية فحسب، بقدر ما يعكس رغبة واضحة في نزع فتيل التوتر الذي بدأ يهدد المنطقة برمتها. لهذا، لم تعد الصحراء المغربية بالنسبة للإدارة الأمريكية، قضية محلية فحسب، بل ملفاً يتقاطع مع مصالح حيوية للأمن الأوروبي والأطلسي على حد سواء. وإذا كان المغرب قد سلك استراتيجية دبلوماسية في هذا الشأن، فإن النظام الجزائري، ظل يسلك طرقا غير دبلوماسية. مما يمكن معه القول إن السحر قد انقلب على الساحر.
حين ينقلب السحر على الساحر
تكشف الوقائع والأحداث في عهد الرئيس الجزائري الحالي، أن السلطة الجزائرية، تعيش مساراً سياسيا متناقضاً. فبعد أن كان التعامل مع قضية الصحراء المغربية على عهد الرئيس السابق، يتم بنوع من برودة الأعصاب، ضمن ضوابط خطاب سياسي (دبلوماسي)، يجد ما يبرره في تمسك السلطة الجزائرية بمبدأ تقرير المصير. حيث لا يركز الرئيس السابق، على مهاجمة المغرب أو مؤسساته (بالمقارنة مع الرئيس الحالي). بل يكتفي بالإستشهاد بنماذج دولية دفاعاً عن أطروحته المزعومة، دون أن يُشعل حرباً إعلامية، كما هو شأن الرئيس الحالي، الذي تحوّل خطابه، وخطاب السلطة الجزائرية الرسمي ومن يدور في فلكها، إلى منبر لاتهامات واهية. يحمل المملكة المغربية مسؤولية الأزمات الكبيرة والصغيرة التي تعرفها بلاد الجزائر اليوم. وأن كل أزمة، لا تأتي إلا من هذا الجار (التجسس، الحرائق، الأزمات الاقتصادية، الهزائم الرياضية …الخ). لتتحول القضية من ملف سياسي صرف، إلى عداء مكشوف. لكن على الرغم من ذلك، فإن واقع الحال، يظهر أن سياسة التصعيد الممنهج الممارسة من قبل السلطة الجزائرية، أدت إلى نتائج عكسية. فبعد أن كانت الجزائر تُقدَّم نفسها في المحافل الدولية باعتبارها طرفا مدافعا عن مبدإ إنساني وحقوقي، أصبح العالم اليوم (إلا فيما نذر) ينظر إليها باعتبارها قوة معرقلة. تهدد استقرار هذه المنطقة ككل. حيث أدى إغلاق الأجواء، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وحملات الكراهية اليومية التي يعج بها الإعلام الرسمي وغير الرسمي، إلى خسارة الجزائر لصورتها ورصيدها الدولي السابق. بينما خرج المغرب بمكاسب سياسية واقعية وواضحة. أبرزها الدعم الأمريكي الثابت، والتأييد المتزايد من دول الإتحاد الأوروبي وأفريقيا الغربية لمقترح الحكم الذاتي باعتبارها حلا واقعيا.
الدبلوماسية المغربية المتقدمة
أكدت الإدارة الأمريكية أن العالم اليوم في حاجة ملحة للنتائج الملموسة، وليس للشعارات الجوفاء (شأن الخطاب الجزائري الرسمي). وبما أن الدبلوماسية المغربية على وعي تام بأهمية هذه النتائج الملموسة، فإن أسلوب التشنج الذي سلكته السلطة الجزائرية (ولا تزال)، لم يُضعف المغرب، بقدر ما عزّز صورته باعتباره دولة ذات دبلوماسية قوية. همها الأول والأخير، استقرار المنطقة من خلال وطرح حلول سلمية تخدم المنطقة برمتها. لهذا، حتى في الكواليس الروسية والصينية، لم تعد الأطروحة الجزائرية تجد حماساً يُذكر كما في السابق. لأن الجميع اليوم بات يعتبر أن جوهر الأزمة ليس الصحراء المغربية، بل العلاقة المتأزمة بين بلدين جارين. ليتحوّل المشهد المغاربي إلى مرآة تعكس تحولات أعمق في ميزان القوى العالمية الكبرى. لهذا، فالولايات المتحدة لا تريد في هذ السياق، منطقة جديدة مشتعلة، لأن هذا الإشتعال، بمثابة تهديد للمنطقة المتوسطية بأكملها.
الدبلوماسية المغربية والخطاب السياسي الواقعي
إن تعامل الإدارة الأمريكية مع ملف الصحراء المغربية بجدية، من خلال فرضها لمنطق الواقعية السياسية (كما اعتمدتها الدبلوماسية المغربية)، بدل الخطاب الثوري الذي لم تعد له جدوى اليوم، سيجعل الأيام القليلة المقبلة تكشف عن خريطة جديدة للمنطقة. تُحدد مدى قدرة السلطة الجزائرية على التكيّف مع الواقع التاريخي وكذا المنطقي للمنطقة، أم ستبقى عبئاً على أمن الجوار والمنطقة عامة. لأن القضية لم تعد تتعلق بالصحراء المغربية فحسب، بل بالمنطقة جنوب المتوسط برمته. فهل ستختار السلطات الجزائرية منطق التعاون، أم ستستمر في دوامة العداء؟ وإذا كان العالم يترقب هذه اللحظة الحاسمة في ظل الدعم الأمريكي القوي، فهل ستعود السلطة الجزائرية إلى رشدها، أم أنها ستحيد عن طريق الصواب (كما كانت)؟ وهي تعلم علم اليقين، أنه لا يحيد عن طرق الصواب إلا القوم الضالون. أما الدبلوماسية المغربية، فقائمة (وستبقى كذلك) على أساس خطاب سياسي واقعي.






