
بقلم: سعيد بوعيطة
لا تنهض المجتمعات البشرية ولا تستقر من دون حكومة، حتى لو كانت هذه الحكومة عاجزة عن تحقيق تطلعات الشعب. وربما يرجع أصل المشكلة إلى أن الكثير من هذه الحكومات لا يزال يتناول هموما كانت تؤرق مجتمعات القرن التاسع عشر. لهذا، فإن إصلاح هذه الحكومات بات أمرا حتميا طال انتظاره. خاصة وأن أغلب الحكومات رجعية، ولا تواكب العصر الحديث ومتطلباته. تتألف من وزارات وأجهزة ذات هياكل تنظيمية هرمية التسلسل منغلقة على نفسها. تختص كل واحدة منها بوظائف محددة. فعلى الرغم من أن العالم اليوم، أصبح أكثر ترابطا، وتسارعت وتيرة تطوره بمعدلات غير مسبوقة، فإن حكوماتنا لا تزال تراوح مكانها. لأن أغلبها يقوده سياسيون أكل عليهم الدهر وشرب. فهل نحتاج اليوم لهؤلاء السياسيين؟
هل نحتاج إلى سياسيين؟
من سوء حظنا اليوم أن حكوماتنا، تشكلت منذ زمن بعيد، ولم تعد تصلح للعصر الحديث من نواح عدة. ولو نظرنا مثلا إلى المشاركة السياسية، سنجد أنها لا تزال تقتصر على انتخاب حزب من الأحزاب مرة كل بضعة أعوام، رغم أن تطور التكنولوجيا والاتصالات قد ساهم في إتاحة طرق عديدة للمواطنين للتعبير عن آرائهم. لهذا، يرى الكثير من الخبراء أن إصلاحا جذريا لهذه الأحزاب السياسية، ليس مطلوبا فحسب، بل بات ضرورة لا مفر منها. لأن الديمقراطية كائن يتطور، وينبغي أن تتحسن مع مرور الوقت. وإذا لم تساير الحكومات تطورات العصر، ستقل قدرتها تدريجيا على تلبية احتياجات الشعب. ومن ثم يزداد السخط الشعبي عليها، ويشعر المواطنون أنهم حُرموا من حقوقهم التي يكفلها لهم القانون. ومع الوقت، سيثور المواطنون ويسببون مشاكل عدة، لأنهم قد بلغ بهم الإحباط مداه. كما أن أغلب الحكومات القائمة على الانتخابات، تفرز سياسيين ضيقو الأفق. يضعون أهدافا لبضع سنوات فقط. وفي ظل زيادة تنوع المجتمعات، وتعقدها، وترابطها، وزيادة احتياجاتها، أصبحت الحكومات تقتصر على تنفيذ إصلاحات سطحية مؤقتة كلما طرأ خلل ما. لكن الاهتمام بالأهداف قصيرة المدى على حساب الأهداف طويلة المدى (مثل إهمال البنية التحتية لسنوات حتى تدهورت)، وتراجع قطاعات حيوية أخرى (الصحة، التعليم، الشغل…الخ)، ستطال آثاره السلبية الجميع. لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نستغني عن السياسيين كليا. إذ لم ينهض على مدار التاريخ أي مجتمع من المجتمعات الكبرى من دونهم. ولا يمكن أن نقوّض أيضا الأنظمة السياسية ونبدأ من الصفر. لهذا، فإن نجاح السياسي، كشأن أي مهمة معقدة في الحياة، مرهون بالكفاءة والخبرة، والمعرفة والفعالية، وهذه العوامل تُكتسب مع مرور الوقت. بيد أننا في المقابل، يجب أن نعيد تشكيل الأحزاب السياسية الحالية، لتساير العصر الحديث. بحيث تكون أكثر دراية بالتكنولوجيا والأنظمة المتطورة، وتكون أكثر ارتباطا وتفاعلا مع العالم الحديث ومتطلبات المواطن.
في الحاجة إلى حكومة فعالة
في ظل العولمة والتطورات السريعة، ارتفعت توقعات الناس ومتطلباتهم، وأصبحت المسؤولية أصعب من أي وقت مضى. وأدرك الإنسان أنه لا يمكن أن يواصل مزاولة أعماله كالمعتاد، وأن عليه أن يبدأ بالتغيير. لهذا، فإن كل إصلاح، عليه أن يبدأ بإقامة نظام حكومي، يقوم على تعدد مراكز السلطة وصنع القرار، والتخلي عن المركزية في اتخاذ القرارات. مما يتطلب وجود مبادئ توجيهية لضمان التعاون ومنع طغيان سلطة على الأخرى، وتضافر الجهود لتحقيق أهداف مشتركة. حيث سيساهم هذا النظام في توحيد الجميع تحت مظلة رؤية موحدة. ولعل هذا ما جعل الباحث السعودي نايف الروضان في كتابه “التاريخ المستدام وكرامة الإنسان”، يشير إلى أن الدفاع عن كرامة الإنسان، يعد أحد الركائز الأساسية لعملية الإصلاح الرامية إلى بناء حكومة فعالة. مما يعني عدم تغليب المصالح الشخصية الضيقة، والفساد بشتى أنواعه. والتركيز على المعايير الأساسية لخلق مجتمع سليم (الأمن، حقوق الإنسان، والمساءلة (المحاسبة)، والشفافية، والعدل، وتكافؤ الفرص، والتجديد، والمساواة بين الجمع). كل ذلك من أجل دعم التجديد والتغيير. لتحسين الأساليب السياسية وتسيير أمور الناس، والمساهمة في تغيير المجتمع.


