أخبارفي الصميمكتاب الرأيمجتمع

“جيل زد” … الحساب صابون

بقلم: سعيد بوعيطة

لعل من بين أبرز مطالب حركة “جيل زد”، (وهو مطلب الشعب المغربي عامة حسب تصوري على الأقل)، إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين. ليس الهدف منه الانتقام، بل إرساء قواعد ديمقراطية جديدة. تؤكد أن المغرب دخل مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية البارزة للعيان. من شأنها إعادة الثقة بين الشعب ومؤسساته المختلفة. وذلك من خلال تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة ضد كل من ثبت تورطه في الفساد ونهب المال العام والإثراء غير المشروع، كيفما كان موقعه. وحل الأحزاب السياسية المتورطة في الفساد، استنادًا إلى الفصل 7 من الدستور، الذي يجعل الأحزاب إطارا لتأطير المواطنين وخدمة المصلحة العامة للوطن والمواطنين. لكن على الرغم من أن دستور المملكة المغربية قد أحدث إنجازات دستورية هامة في هذا الجانب (ربط المسؤولية بالمحاسبة)، فإن التطبيق الفعلي لهذه المبادئ عانى من ثغرات وتجاوزات تتطلب الحد منها. قصد تجديد الثقة بين المواطن والمؤسسة، وإعادة الحقوق ومعاقبة الفاسدين، وتجديد عهد المسؤولية والشفافية. وتفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز. بعيدا عن الزبونية والمحسوبية.

الحساب صابون

نادت احتجاجات ”جيل زد” من جهة أخرى، بضرورة إعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة على أساس المحاسبة، والعدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق والحريات العامة، وكذا ربط المسؤولية بالمحاسبة. تبعا للمثل الشعبي المغربي المتداول ”الحساب صابون”. بمعنى، أن الحساب يغسل أوساخ الأفراد، والمجتمع عامة، في مختلف المعاملات، حتى الصغيرة منها (بين الأفراد). وهذا ما يعضده المثل الشعبي المغربي الآخر “كلني ماكلة خوك وحاسبني حساب عدوك”. لأنه كلما كان الحساب مضبوطا كانت العلاقة جيدة على جميع المستويات. فما بالك إن كان الحساب يتعلق بدولة كاملة ومؤسساتها التي تتصرف في المال العام وفي مصائر البلاد والعباد. إذ على الرغم من توفر المغرب على المجلس الأعلى للحسابات الذي ينشر تقاريره بالجريدة الرسمية، ويعرضها أمام البرلمان في إطار التواصل مع نواب ومستشاري الشعب، فمن الملاحظ أن التقارير التي أصدرتها هذه المؤسسة التي خول لها الدستور صلاحيات رقابية، تبقى دون جدوى ومن غير فعالية إن لم تتبعها المحاسبة الواقعية (الفعلية)، وإن كانت عملية النشر مهمة جدا، لكونها تدخل في سياق الشفافية والنزاهة. لكون نشر التقارير، عملية تواصلية، تهدف إلى إيصال رسائل إلى من يعنيهم الأمر. لأنها وإن لم تكن وسيلة عقابية، فتبقى على الأقل أداة للكشف والفضح. تتميز ببعد أخلاقي، يمكن أن يردع الفاسدين ويردهم إلى طريق الصواب. لأن الشفافية جزء لا يتجزأ من عملية النزاهة ومحاربة الفساد، وعدم التستر على أي واحد من المفسدين. فكثير من المال العام، يضيع هدرا ليس لأن المسؤول عنه فاسد فحسب، لكنه بلا ضمير وغير مبال بضرورة القيام بالواجب كما يفرضه القانون والأخلاق العامة للمسؤولية. ومن جهة أخرى، لن يكون معنى لهذه التقارير الرسمية، ما لم تكن مصحوبة ومتبوعة بالمحاسبة والمتابعة الدقيقة. لأن ذلك يشدد الخناق على المفسدين الذين لا يمكن قطع دابرهم بسرعة كما يعتقد أغلب الناس. لأن كل قوانين الدنيا غير قادرة على محاربة الفساد حسب ما عبرت عنه النكتة المغربية المتداولة (على شكل سخرية) ”قال ليهم شحال تعطيوني نحيد ليكم الرشوة”. لهذا، لن يكون لأي تقرير معنى، إن لم يكن له أثر عملي على الواقع المعيش. لأن استمرار إصدار التقارير دون تفعيل نتائجها، قد يكون له مفعولا سلبيا. فما دام الفاسد السابق لم تتم محاسبته، فاللاحق سيفلت أيضا من العقاب، وسينام ملء جفونه (على حد تعبير الشاعر المتنبي). مما يشجع على كثير من الفساد والإفساد. وفي المقابل، فإن اقتران نشر التقارير بتفعيل الإجراأت الضرورية واللازمة للحساب والعقاب، يمكن من خنق الفساد وتضييق المساحة التي يتحرك فيها. وسيتحقق المثل السالف الذكر ”الحساب صابون”. لكن إذا بقي الحال قائما، فسيبقى الحساب بلا صابون. وحتى لو افترضنا جدلا بوجود هذا الصابون، فإن هذا الحساب، سيبقي مرقدا ” في الصابون إلى أجل غير مسمى.

الحساب ”المرقد في الصابون

إن عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة الملموسة، وذلك من باب اللي دار الذنب يستاهل العقوبة، يجعلنا أمام معوقات كثيرة في الوصول إلى المحاسبة، خاصة حين نجد أنفسنا في طريق مفروش بالصابون. لأنه على الرغم من وجود إشارات تحذر من خطر الإنزلاق الصابوني، فواقع الحال يؤكد على بقاء الصابون وانزلاق الحساب. ليبقى هذا الأخيرمرقد في الصابون. لنكتفي بترديد المثل الشعبي المغربي المعروف “اللي داشي داه واللي زلق طاح وجاء على عين قفاه”. لأن حكوماتنا قامت على منطق الوزيعة وعلى كلمة السر المعروفة “كل ووكل” كما يقول المثل الشعبي المغربي. مما يعني أن عملية التصبين وحدها لم تعد كافية، بل نحن اليوم في حاجة إلى الإنتقال من عملية التصبين إلى مرحلة ”التعصير”. خاصة وأن كل مسؤول الأن، يفضل الحساب بالصابون، بعدما وضع ثقته في الصابون بأنواعه وتتبع إشهاره عبر القنوات (الصلب، السائل، المسحوق). لكنه اكتفى بمعطر الجو بنكهة الخزامة، في محاولة منه لإخفاء روائح الفساد والمفسدين. لكن لا مجال لاستمرار نفس المناورات بتكرار طرق المحاسبة الصابونية (الترقاد)، بعدما دقت ساعة نشر الغسيل التي أعلنت عنها الإحتجاجات الشبابية اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci