
بقلم: سعيد بوعيطة
عرفت بلادنا خلال الأيام الأخيرة مجموعة من الإحتجاجات التي قادها شباب جيل -زد. حيث جاء هذا الإنفجار نتيجة عوامل عدة، غذاها تدني خدمات مختلف المرافق العمومية (خاصة الصحة والتعليم). حيث رافقت هذه الإحتجاجات أعمال عنف وتخريب في بعض المدن المغربية. لكن على الرغم من مشروعية مطالب هذه الإحتجاجات، فإن أعمال التخريب، مردودة جملة وتفصيلا. لأن قناعتنا تتساوق مع قول الشاعر “بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام”.
هذا البيت الشعري الذي يحمل معنى جامعا مانعا لمعنى الوطن والوطنية وقت الشدائد، كما يبرز معادن وأصول الناس بمواقفها الصادقة قولا وفعلا. لكن الذي تغطيه غشاوة المصلحة الخاصة، يكون قدوة لأرذل الأوصاف والأعمال التي ﻻ يفقه منها سوى الأذى لخلق الله، وتدمير استقرارهم الإجتماعي والنفسي. خاصة في زمن كثر فيه كيد الكائدين من جيران الجهة الشرقية الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لضرب وحدتنا الوطنية واستقرار وطننا. لهذا، وحتى لا تنطبق علينا كلمات وزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز(على عهد الرئيس الراحل صدام حسين) الذي قال: ” دعوهم إنهم فخار يكسر بعضه بعضا”. نقول لمن يتربص بنا: المواطن المغربي ليس فخارا، ولن يكسر بعضه بعضا.
نحن والفساد
على الرغم من ارتباطنا وحبنا للوطن، فلا أحد ينكر أن البلاد انتشر فيها الفساد (بمفهومه الشامل) بين العباد. خاصة مع الغياب التام للمؤسسة الحزبية التي من شأنها تأطير المواطن، وترقية وعيه السياسي. ليرتبط هذه الفساد (حسب تصورنا على الأقل) بالأحزاب السياسية نفسها والتي تتشكل منها الحكومات التي تسهر على شؤون البلاد والعباد. كما يرتبط من جهة أخرى بالمواطن نفسه، من خلال مجموعة من الممارسات والسلوكات. لهذا، شكل الفساد ذلك الوحش الذي طالما تربص بأحلام الشعب. لأن هذه الحكومات تمكنت من تحويل الفساد من سلوك غير سوي ومنبوذ، إلى ظاهرة اجتماعية مألوفة. يتقبلها العام والخاص وتتوارثها الأجيال، بحجة الانتماء إلى عالم ثالث/ متخلف يعتبر أرضا خصبة لجميع الظواهر السلبية.
الأحزاب السياسية والفساد
هل يمكن تصنيف بلد ما على أنه ديمقراطي بمجرد أنه يعرف الانتخابات باعتبارها منافسةً حقيقية بين العديد من الأحزاب السياسية و/أو المرشحين المستقلين. حيث يمتلك الناخبون القدرة على الاختيار بشكل حر بين خيارات سياسية مختلفة، وكذلك مرشحين مختلفين لتحديد هوية من سيمثلهم ويتكلم بلسانهم. لأن الأحزاب السياسية والمرشحون، هم الفاعلون المتخصصون في مهمة تنفيذ فعاليات التمثيل. لكن يجب أن يستند هذا النظام الديمقراطي التمثيلي الفعال، إلى التسليم التام بحقوق الإنسان الأساسية وبحرية التعبير، والتنظيم، والترشيح، وعقد اللقاأت والاجتماعات، ومشاركة المواطنين وانخراطهم في النظام الديمقراطي التمثيلي، وقدرتهم على فهم القضايا السياسية المعقدة. مما يستوجب الاعتماد على قدرة الأحزاب السياسية في توعية المواطنين وتحريكهم، وصياغة الخيارات السياسية لهم، وإيجاد القنوات التي تعكس الرأي العام. لأن الأحزاب السياسية عبارة عن مجموعة منظمة من الأفراد يتقاسمون بشكل عام أهداف وخيارات سياسية متشابهة، يعملون على التأثير على السياسات العامة. وذلك من خلال العمل على فوز مرشحيهم في المناصب التمثيلية المنتخبة. بالإضافة إلى مجموعة من الأدوار الحيوية الأخرى. خاصة في دور الوسيط بين المجتمع المدني ومن يضطلعون بمسؤولية صنع القرارات وتنفيذها. حيث تتمكن الأحزاب السياسية من تمثيل تطلعات أعضائها ومناصريها في البرلمان والحكومة. لأن مهمامها الرئيسية تشمل ما يلي: تجميع وصياغة الاحتياجات والتحديات التي يعبر عنها أعضاؤها ومناصروها، القيام بنشاطات اجتماعية وتثقيف الناخبين والمواطنين بشكل عام حول النظام السياسي والانتخابي، وتشكيل القيم السياسية العامة، وموازنة المتطلبات والتطلعات المتناقضة وتحويلها إلى سياسات عامة، وتحريك وتفعيل المواطنين للمشاركة في القرارات السياسية وتحويل آرائهم إلى خيارات سياسية واقعية، وإيجاد قنوات لنقل الرأي العام من المواطنين إلى الحكومة، واستقطاب وتأهيل المرشحين للمناصب التمثيلية… الخ.
فهل أحزابنا السياسية تقوم بهذه المهام، الجواب طبعا بالنفي. لهذا، فإن غياب هذه الأدوار، يجعل الفساد سلوكا ينتجه الغياب التام للرقابة الذاتية والمتمثلة في الضمير والمبادئ، والرقابة العامة والمتمثلة في القوانين والضوابط التي تسهر على تطبيقها الحكومة. وهنا، يظهر جليا أن المسؤولين الفاسدين، لا يمكن أن تضمن وجودهم إلا في مجتمع فاسد.
المواطن والفساد
لا يمكن أن ننكر من ناحية علمية أو منطقية دور السلوكيات المكتسبة في بناء شخصية الإنسان. فهذا الأخير، هو مزيج بين الفطرة والاكتساب. قد يطغى أحد العناصر على الآخر، لكن يبقى دور السلوك المكتسب واضحا في سمات شخصية الإنسان ومعالمها. وحتى لو سلمنا جدلا بأن الإنسان يولد فاسدا أو نزيها بالفطرة، فلقوة القانون دور محوري في كبح جماح الفساد والأخلاق السيئة. لهذا، يمكن اعتبار الفساد صناعة، لها علاقة حميمية مع التخلف. كما تساهم التنشئة الاجتماعية بشكل مباشر، أو غير مباشر، في ترسيخ القابلية للفساد في شخصية الإنسان. فالأسرة أو المؤسسات التعليمية قد تكون لبنة أساسية في تصدير إنسان فاسد إلى المجتمع. فسلوك بسيط ربما في نظر العامة (عدم احترام الطابور، المحاباة، استعمال المحسوبية، الرشوة…الخ)، تشكل الخطوط الأولى لرسم مجتمع الفساد والفاسدين. حيث يتحول الفساد إلى أخلاق شعب، مما يرفع عن عاتق المسؤول، المسؤولية الأخلاقية والقانونية لمحاربته. وبين المسؤول السياسي والمواطن، يتشكل الفساد الهرمي.
الفساد الهرمي
الفساد تسلسل هرمي، يتدرج من ”الشاوش” إلى الوزير. كل منهم يمارس الفساد على مستوى المنصب والمحيط الذي يوجد فيه، وبدرجات متفاوتة. لهذا، ففي العديد من الدول المتخلفة، لم تكن هناك رغبة حقيقة وإرادة حكومية في محاربة الفساد، واقتصرت مكافحته على القوانين والهيئات الشكلية والجمعيات، والتي استنزفت المال العام لعقود، ولم تثمر نتائج ملموسة. لهذا، اتسعت دائرته وتغلغل أكثر فأكثر في مفاصل المؤسسات والمعاملات، وذهنيات الناس، وأصبح القضاء على الفساد في عقيدة الشعوب المتخلفة، تحديا صعبا وحلما وطنيا بعيد المنال. لكن ما يجهله أو يتجاهله الكثيرون أن الفساد مؤامرة ممنهجة، وهم جزء لا يتجزأ منها، وأن محاربته لا تحتاج لمعجزة كونية، بل تحتاج فقط إلى تفعيل دور الضمير بداخلهم واحترام القوانين بوجود كيان دولة، وسيرورة هذه المبادئ ستضمن بالضرورة سيرورة لنبذ الفساد والفاسدين. لهذا، فما يعرف المغرب اليوم من احتجاجات، ليس سوى نتيجة تراكمات للعديد من الحكومات. ساهمت فيها الأحزاب السياسية والمواطن على حد سواء. لكن على الرغم من ذلك، فبلادي مهما جارت علي عزيزة.





