
بقلم: زكية لعروسي

ما بين الشام والمغرب رباط لا تمسه شياطين الإنس ولا الجن، علاقة راسخة كجذر السنديان، لا يدخل بينها وبين ظهر التاريخ إلا الغبار، ولا يمسّها إلا طهر المواقف ونقاء المبادئ. هي علاقة تشبه قول الأقدمين: “ما يدخل بين اللحم والظهر غير الوسخ” — ولا مكان هنا إلا للطهر، ولا يصح إلا الصحيح.
في خضمّ التحولات الجيوسياسية، أعلنت الجمهورية العربية السورية عن قرار جريء وشجاع: إغلاق مكتب “البوليساريو” في دمشق. في خطوة تعبّر عن يقظة ضمير تاريخي، وعدالة مؤجلة أتى أوانها، تصحَّح بها خطيئة عائلية ارتكبت منذ سبعة وأربعين عاما، حين انزلقت أسرة الأسد إلى حضن المؤامرة على وحدة المغرب.
وها هو كينيا، عملاق شرق إفريقيا الاقتصادي والدبلوماسي، الذي كان يوما من الداعمين الأشدّاء للأوهام الانفصالية، ينقلب على أعقابه ليعترف بخريطة الواقع: لا حل إلا ضمن المقترح المغربي للحكم الذاتي، بوصفه “النهج الوحيد الدائم” لهذا النزاع المفتعل. وفي الطرف الآخر من العالم، حمل ناصر بوريطة من الإكوادور هديتين ثمينتين: إعلان فتح سفارة إكوادورية في الرباط — هي الأولى من نوعها في المغرب الكبير — وموافقة السلفادور على افتتاح قنصلية عامة في مدينة العيون المغربية، شاهدة على عودة الوعي الدولي لميزان الحق.
إنها أربعة اختراقات في أقل من ثلاثة أيام. أربعة صقور حلّقت في سماء الدبلوماسية الملكية — تلك الدبلوماسية التي لا تنطق عن الهوى، وإنما عن حكمة متأنّية، تشبه عيون الصقر في دقتها وبصيرتها، وتجيد فنّ الضربة القاضية الناعمة. وقد صدق الفيلسوف الألماني نيتشه حين قال: “من يمشي بثبات لا يحتاج إلى أن يركض” — ففي السياسة، الرزانة هي الطريق الأقصر إلى النصر. ومثلما قال الحكماء: “من صبر ظفر، ومن تأمّل ظنّ، ومن أخلص فاز.”
أما جارتنا الضاربة في اصول الديبلوماسية، فترنحت أمام هذه الصفعات كراقص أضاع النغمة، لا يدري أيلبس البُراقع أم يضرب بالطّبول. إنهم في مربع التيه: موريتانيا أغلقت حدودها معهم، وقطع حبل الإمداد بين تندوف وزويرات، وكذلك الشأن على حدودهم مع ليبيا، ومالي، والنيجر.
هكذا يتحول “حلم الجنرالات” إلى كابوس، و”الدولة” التي أرادوا صنعها في الصحراء، إلى ورقة يابسة تطاردها رياح الاعترافات الأممية بمغربية الصحراء.
وقد قيل قديما: “من يحفر حفرة لأخيه وقع فيها.” وها هي دبلوماسية المملكة، بقيادة عاهل حكيم، تنسج بصمت شبكة إنجازات تخرق جدار الإنكار وتُسقط الأقنعة.
إنها دبلوماسية لا ترفع صوتها، ولكنها تسمع صداها في العواصم. ولا يصح في السياسة إلا الصحيح.


