
بقلم: عبد الدين حمروش

أجرت جريدة لوبينيون الفرنسية مقابلة صحافية مع عبد المجيد تبون، تناولت قضايا وطنية وإقليمية عديدة. في ما يخص العلاقة مع المغرب، تقتضي القراءة الموضوعية، لما تطرق إليه السيد تبون، وضع أكثر من سطر تحت قوله بأن البوليساريو تواصل طلبها السلاح من الجزائر، إلا أن حكومته «تمتنع عن تقديمه لها في الوقت الحالي». هذه العبارة تحمل أبعادا خطيرة، من جهة ما تحمله من تهديدات مبيتة. ذلك أن الجزائر لا تستبعد تموين البوليساريو بالسلاح. أي أن هناك إمكانية لذلك في المستقبل (وإن كنا لا نعلم توقيته بالضبط). من شأن البعض أن يقرأ العبارة، على أساس أنها مزايدة أو ابتزاز، لا مفعول لها في الواقع. غير أنه بالنسبة إلي، الجواب الحذر يكون بلا، ثم لا. لأن العبارة، بالنسبة إلى من يعرف آثار الحرب الإعلامية والنفسية، يدرك اللاستقرار الذي تحدثه في المنطقة، على أكثر من صعيد. التهديد بإمكانية الاستجابة لطلب السلاح، ولو كانت حظوظه ضئيلة، حتما يدفع المنطقة إلى اللاستقرار.. فوق اللاستقرار الحالي.
وفي جردة أولى، فالآثار العملية الأولى لمثل هذا التصريح، الذي لم يكن الأول على كل حال، هو ما نشهده من سباق نحو التسلح: خلال هذه السنة، الجزائر تخصص 23 مليار دولار من ميزانيتها، في حين يخصص المغرب 13 مليار دولار. ألم يكن من الأولوية صرف هذه المبالغ على التنمية، بما فيها تجويد البنية التحتية، وبخاصة من جهة الجزائر التي تدعي أن لا أطماع لها في الصحراء المغربية؟ أما من جهة المغرب، وإن كنا نستعظم تخصيص كل تلك المليارات لشراء السلاح، في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، فإن دعوى الدفاع عن التراب الوطني تلغي كل الدعاوى الأخرى. من سبق أن سمع أحد تصريحات تبون، بخصوص التهديد بمعاقبة المغرب، وكأنه طفل لا حول له ولا قوة، لا شك في أنه يستنتج ضرورة الالتزام بأخذ الحيطة والحذر، إزاء نشوب أي نزاع مسلح غير محسوب (لا قدر الله). أما البروفات التي لجأ إليها البوليساريو، بإيعاز من العسكر الجزائري، من خلال الهجمات على الزاݣ، فلا أحد بإمكانه الركون للاطمئنان إلى عدم تكرارها، أو تأجيجها بحيث تغدو حربا إقليمية.
ماذا يريد السي تبون، الذي هدد ماكرون من مغبة اعترافه بمغربية الصحراء، في تدخل سافر بقرار من قرارات الدول السيادية؟ ماذا يريد تبون، بعد احتضانه لبعض انفصاليي الريف، إن لم يكن تقسيم المغرب؟ ماذا يريد تبون من صرف مقدرات الجزائر في قضية، ما كانت لتكون أولية الأولويات للشعب الجزائري، ومصالحه؟ أمام كل هذا، لا يجوز لأحد أن يعتقد أن تبون بمنأى عن التحالف مع الشيطان، من أجل تقسيم المغرب. المغرب هو العدو الأول والأكبر له ولنظامه، وليس لإسرائيل، أو فرنسا، أو أمريكا. وعلى قاعدة الشيء بالشيء يذكر، فقد تعاطى جميع الرؤساء الجزائريين السابقين مع القضية بقدر من الحكمة، باستثناء فترات صعبة من حكم بومدين. أما تبون، فقد جعل معاداة المغرب عنوان سنوات حكمه كلها. وفي هذا السياق، يلزم التنبيه إلى أن حكم تبون تجاوز جميع الخطوط، إلى درجة أن الصراع بات ينتقل من قمة هرم السلطة إلى الأوساط الشعبية، متمددا بين فئاتها من المواطنين في البلدين معا. يكفي أن نفتح الوسائط الاجتماعية، لندرك حجم الخلافات المتصاعدة، وفي ثناياها كثير من السباب والتحقير والإهانة، بين أفراد كثر من الجزائريين والمغاربة.
ليس ادعاء بتاتا. إلى حد الآن، يتبع المغرب سياسة هادئة. نادرا ما نجد المسؤولين المغاربة يردون على نظرائهم في الجهة الشرقية. لأنه ببساطة، لا مصلحة لهم في مجاراتهم، سواء في الحكومة أم في العسكر. الواقعية تقول بأن لا مصلحة للمغرب لاشتعال الحرب بتاتا. غير أن عدم حصولها، أو بدرجة أقل استبعادها في الوقت الحالي، لا يلغيان عدم التفكير فيها، أو عدم توقعها. لا يبدو من النباهة السياسية في شيء إقصاء جميع الفرضيات بهذا الشأن. قرب توقع الحل، والتواجد في الركن، قبالة الحائط، يمكن أن يدفع النظام الجزائرى إلى التهور. ومن هنا، يأتي مصدر الخطر. ومع ذلك، فالواقع لا ينفي أن المغرب يتوفر على سلاح فتاك، لا تمتلكه الجزائر، ولن تمتلكه على الإطلاق. هذا السلاح يتجسد في استعداد المغاربة للتضحية من أجل وحدة تراب بلادهم. ماذا يملك تبون في المقابل، باستثناء الجنرالات الذين لا عقيدة وطنية لهم، ماعدا تقسيم المغرب، لإضعافه، ومحاصرته؟ وكل هذا مستحيل لأكثر من سبب. أولها في العناوين، أن المغرب الضعيف لن يكون له وجود حينئذ. لم يعترف أولئك بمغربية سبتة ومليلية، الرازحتين تحت الاحتلال الإسباني، فهل يعترفون بمغربية الصحراء؟






