بقلم: زكية لعروسي
في زمن باتت فيه الشهرة تُشترى كسلعة رخيصة، حيث تصبح التفاهة والبذاءة رأس المال، نعيش مشهداً اجتماعياً بائساً يعكس “”من بني على باطل فهو باطل”. منصة “اليوتوب” و”التكتوك” التي أصبحت مسرحاً للخطباء والخاطبات السيليكونية، أثبتت أنها طريق مختصر نحو الانحدار الأخلاقي والفوضى الاجتماعية. ليس اعتباطياً أن تتحول هذه المنابر إلى مصدر للفضائح بدل أن تكون وسيلة للتثقيف والإلهام. لكن السؤال الحقيقي ليس: لماذا يحدث هذا؟ بل: “شكون لي صنع هاد الناس وخلّاهم يتصدروا المشهد؟”
من السهل أن نوجه أصابع الاتهام إلى الجمهور الذي يلهث وراء كل جديد، والذي يصنع من الحمقى نجومًا. لكن الواقع أعمق من ذلك؛ من الذي أعطى لهؤلاء الشرعية؟ من قدمهم للمغاربة وأعلن عن شهرتهم؟
فتحت الأبواب لهؤلاء بسرعة البرق، فبدل أن تكون هذه المنصات فضاءات للإبداع، تحولت إلى ساحات للسب والشتم، والفضائح التي تتنقل بين المحاكم “الفار لمقلق من سعد المش”
كما قالت أمي خيرة: “يا بنتي، إنه عصر هاجوج وماجوج”. عصر انفجرت فيه التفاهة من كل صوب وحدب، حيث أصبح السب والقذف تجارة مربحة، وحيث “اللي دار راسو في النخالة، ينقبوه الدجاج”، في إشارة إلى أن من يبيع كرامته على هذه المنصات، يصبح أول ضحاياها. شبابنا اليوم يعتقد أن طريق الشهرة والمال السهل يبدأ بخلق الفوضى، ولا يدرك أن “الدنيا ما فيها غير لفلوس، فيها حرمة وتربية”.
سلسلة الاعتقالات الأخيرة لهؤلاء اليوتيوبرز ليست سوى “خبطة العصا” الأولى، لكنها درس قاسٍ للشباب الذي يرى فيهم قدوة. فكما يقول المثل: الطاحونة كتدور… وأيام الباطل قصيرة”. الشهرة الحقيقية لا تُبنى على الإساءة والتفاهة، بل على العمل الجاد والقيم الراسخة.
المغاربة ليسوا وحدهم من يتحملون المسؤولية، بل المجتمع ككل، بكل مكوناته. من منح هؤلاء السلطة ليتحدثوا باسم الأخلاق والمؤسسات؟ من تركهم يتمادون دون محاسبة؟ اليوم، ونحن نرى كيف تحولت محاكمنا إلى منصات لتصفية حساباتهم، يجب أن نتساءل: “فين غاديين بهاد الطريق؟”
ما يحدث اليوم ليس سوى انعكاس لوضع اجتماعي يضع المظاهر فوق الجوهر، والتفاهة فوق القيم. وكما يقول المثل المغربي: “الزين يزهر من الفطرة”. الأشياء التي تدوم هي التي تُبنى على أساس متين، أما الشهرة المبنية على الباطل، فمصيرها إلى الزوال. فلنعتبر مما نراه، ولنُعد بناء قيمنا على أسس تعيد الاحترام والكرامة إلى حياتنا الرقمية والاجتماعية.