بقلم: سعيد بوعيطة
عندما نسمع أن العديد من دول العالم تقترض من جهات معينة، فتلك مسألة عادية. تماشيا مع المثل الشعبي المتداول ”مول التاج كيحتاح” أو المثل الموازي له ”الدنيا دوارة”. خاصة وأن العالم اليوم لا يستقر على حال، وأن اقتصاديات العالم متشابكة، ويؤثر بعضها في بعض. لكن المسألة غير العادية في هذا الإطار، هي عدم توظيف مختلف هذه القروض فيما خصص لها. خاصة فيما يتعلق بتنمية القطاعات الحيوية التي تدفع بعجلة التنمية المستدامة. فإذا ذهبت هذه القروض إلى غير ما يعود بالنفع على البلاد والعباد، ينطبق علينا المثل المعروف ”الطلاب يطلب ومراتو تصدق”.
الطلاب يطلب
يعد المغرب من بين البلدان المثقلة بالديون، فقد احتل المرتبة 17 من أصل العشرين بلدا الأكثر مديونية لدى صندوق النقد الدولي، والخامس إفريقيا سنة 2022، والثالث عربيا بعد مصر والجزائر من حيث ديونه الخارجية. كما أقرت وزارة الاقتصاد والمالية في مشروع قانون المالية لسنة 2024، أن حجم دين الخزينة بلغ حوالي 1010 مليار درهم في يونيو 2023 مقابل 951،8 مليار درهم نهاية 2022، مرتفعا بما قدره 58،2 مليار درهم، بنسبة ارتفاع بلغت 6،1٪ مقارنة بنهاية عام 2022. وبلغ حجم الدين الخارجي منه 244،8 مليار درهم نهاية شهر يونيو 2023، مرتفعا ب 15،9 مليار درهم. بمعنى بنسبة بلغت 6،9٪. فيما بلغ الدين الداخلي للخزينة 765،3 مليار درهم مقابل 722،9 مليار درهم نهاية 2022، مرتفعا بما قدره 42،4 مليار درهم. بمعنى بنسبة 5،9٪. وبلغت تحملات دين الخزينة من فوائد وعمولات حوالي 19،7 مليار درهم شهر يونيو 2023، مقابل 18،1 مليار درهم في نفس الفترة من سنة 2022.
لهذا، ستدين الدولة لسد عجز الميزانية، لكنها سرعان ما تجد تلك الديون وفوائدها تأكل إيرادات الدولة في الأعوام اللاحقة. مما يسبب عجزا أخر، تضطر معه الدولة للاستدانة مجددا لسد العجز وتسديد جزأ من أصل الدين والفوائد التي حل أجل تسديدها. فتستدين الدولة من جديد، دون أن تستطيع الخروج من هذه الحلقة المفرغة، فتضطر في النهاية لبيع أصولها لسداد الديون المستحقة، ورغم ذلك ستضل عاجزة عن الوفاء بما في ذمتها، فقيمة تلك الأصول ستنخفض في ظل الأزمة التي تعرفها البلاد. لكن إذا كانت الحاجة تفرض هذه القروض التي لا مفر منها، فعلى الأقل، يستحسن أن تذهب هذه القروض إلى التنمية المستدامة على مستوى القطاعات الحيوية (التعليم، الصحة، الاقتصاد، البنية التحية للبلاد). لا أن تذهب هذه الأموال/ القروض التي طلبها الطلاب إلى ما لا ينفع البلاد والعباد. مما يؤدي إلى هدر المال العام. سواء على المستوى المركزي أو الجهوي/ المحلي.تجلى آخرها في النسخة الأولى من المنتدى الوطني للمدرس الذي استضافته العاصمة الرباط، يومي 26 و27 شتنبر الجاري.
وإذا كانت المعضلة لا تكمن في المنتدى باعتباره فكرة للنظر في أزمة التربية والتعليم، وما يعرفه من قضايا شائكة، فإن المثير للجدل هو ما رصد له من ميزانية فيما لا يسمن ولا يغني من جوع. خاصة وأن أزمة قطاع التربية والتعليم، راكمتها سياسات الحكومات السابقة. فهل ينطبق على هذا المنتدى المثل الشعبي “الطلاب يطلب ومراتو تصدق”؟ هذا ما لاشك فيه.
مراتو تصدق
عرفت الساحة الإعلامية (بما فيها مواقع التواصل) انتقادات لاذعة، طالت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، بسبب الميزانية الكبيرة المرصودة للمنتدى الوطني للمدرس في نسخته الأولى، وهو موعد غير مسبوق جمع ثلاثة آلاف أستاذة وأستاذ من جميع ربوع المملكة تحت شعار “الأستاذ(ة): محرك تحول التعليم”، حيث تم الانصات لحوالي 150 متدخل (مداخلات لا تتماشي وعدد أيام المنتدى). حيث كلف ميزانية تتجاوز نصف مليار سنتيم، إلى جانب تعويضات 150 مؤطر(ة) (ولو على مستوى التنقل والإقامة والإعاشة) الذين حضر جزء منهم من خارج المغرب. قدم هذا المنتدى على أنه موجه للمدرس وللفاعلين التربويين، ويستهدف تكوين المدرس (وبالمقابل، يتحجج مسؤولو هذا القطاع بالأزمة وشح الميزانية عندما يتعلق الأمر بتسوية بعض الملفات العالقة لنساء ورجال التعليم منذ سنوات طويلة). وهدف الملتقى وفق الجهات المنظمة له لتسليط الضوء على الدور المحوري الذي يقوم به الأساتذة في تحول المدرسة العمومية، بما يتماشى مع تطلعات المواطنات والمواطنين. فهل يصلح المنتدى ما أفسده الدهر؟
هل يصلح المنتدى ما أفسدته سياسة الحكومات
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: هل هذا المنتدى هو المخرج الأساسي لما يعرفه قطاع التربية والتعليم من معضلات وقضايا شائكة؟ الجواب بطبيعة الحال بالنفي. لأن التحديات التي تواجه قطاع التربية والتعليم اكبر من أن تحل بمؤتمرات ومنتديات مثل هذه. ـ أكيد أن مثل هذه المنتديات مهمة كذلك، لكن الحل يكمن في إعادة النظر في كيفية تنظيم مثل هذه الفعاليات، من خلال إشراك جميع الأطراف والخبراء المعنيين بتطوير قطاع التعليم. لهذا، فإن واقع تعليمنا اليوم، بحاجة إلى مجهودات أكبر من تجميع عدد غفير من رجال التعليم، وإنفاق ميزانية ضخمة فيما لا يعود لا على العباد ولا البلاد بالنفع. فقد سبق تأسيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي راهن على إصلاح شمولي ونسقي لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، فهل حقق هذا المجلس ما خططه ووعد به؟ أم أننا غالبا ما نجد أنفسنا أمام كثرة اللجان والمجالس، لأن تشكيل هذه الأخيرة بكثرة، وفي كل مشكلة (شأن مجال التربية والتعليم)، يعني بالدرجة الأولى إطالة أمد المشكلة وبرودها مع الوقت. لأنه سيمضي وقت طويل قبل تشكيل اللجنة، وتحديد أعضائها، ثم سيمضي وقت طويل آخر في كثرة اجتماعات هذه اللجنة أو تلك. وهو ما يزيد من تعميق الأزمة. فما أفسده الدهر(سياسات الحكومات المتعاقبة) لا يصلحه العطار.
لهذا، فنحن اليوم في حاجة ماسة إلى القرارات المباشرة التي تعالج قضايا البلاد والعباد سريعا، ووضع الحلول لها. لأن التأخير الناتج عن تشكيل هذه اللجان وتنظيم المنتديات، يشكل جزأ من الأزمة، فإلى أين نحن سائرون، بعد أن وقع الفأس في الرأس كما يقول المثل المغربي؟
نحن في مفترق الطرق لا غير.