إياك أعني واسمعي يا جارة (سعيد بوعيطة)

                                                                                                                                                                                   قافلة المحبة  

أثناء تواجدي خلال السنوات الأخيرة بأرض الياسمين (تونس الشقيقة)، شاركت في فعاليات لقاء ثقافي تحت شعار قافلة المحبة. هذه المحبة التي راهنت الجمعية     المنظمة لفعاليات الملتقي الثقافي على تحقيقها من خلال الجمع بين مثقفي ومبدعي المغرب العربي الكبير (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا) على الرغم من غياب الإخوة الموريتانيين، وإتاحة التواصل بين مبدعي المغرب العربي في شتى مجال الفكر والإبداع (النقد، الشعر، الرواية، التشكيل). حضر اللقاء مجموعة من الإخوة من المغرب، الجزائر، وليبيا، بالإضافة إلى الإخوة من تونس (البلد المنظم). عند نهاية برنامج كل يوم من أيام الملتقي، نعود في المساء إلى رياض المدينة الذي نقيم فيه بنهج السيدة عجولة بالمدينة القديمة، على مرمى حجر من جامع الزيتونة التاريخي (خمسة دقائق سيرا على الأقدام)، حيث نقوم بإحياء جلسة حوارية في شتى مناحي الثقافة والفكر وسط فناء الرياض.

                                                                                                                                                      في محبة أصدقاء نهج السيدة عجولة   

كان الإخوة من الجزائر  أكثر  تلازما لي (السي عبد السلام/ شاعر ومدقق لغوي متمكن، السي محمد/ جمعوي و شاعر، والسي مصطفى/ صحافي بإحد الجرائد الورقية الجزائرية. حواراتنا المسائية الطويلة كشفت لكل طرف منا معدن الآخر، وزادته يقينا بأننا أقرب إلى بعضنا البعض ليس على المستوى الثقافي فقط، بل على مستويات متعددة، وكأننا نعرف بعضا البعض منذ مدة ليست بالقصيرة. اكتشف كل من السي عبد السلام والسي محمد والسي مصطفى قدراتنا وإمكانات     العالية في الحوار والنقاش، وعلو  كعبنا الأدبي (إذا استعرنا العبارة  من عنوان كتاب ”علو  الكعب الأدبئ للشيخ عبد الرحمن بن عوف كوني). فتحققنا أن هذه القافلة التي نظمت فعاليات الملتقي هي قافلة محبة بكل المقاييس. فامتدت الروابط الثقافية بيني وبين الإخوة الجزائريين إلى اليوم.

المحبة ثابتة والصواب كاين

ولأن المحبة بيني وبين أصدقاء نهج السيدة عجولة ثابتة والصواب موجود، فقد انطبق علينا المثل المغربي ”المحبة ثابتة والصواب يكون” (يكون في هذا السياق يعني ثبوت الصواب وحضوره عن كل منا). هذه المحبة كان أساسها الصواب الذي تميز به كل منا أثناء الحوارات المسائية في فناء الرياض. فتوطدت العلاقات بيننا، وتم تحريرها من الانزلاقات المحتملة. وإن استوعب كل من السي عبد السلام والسي محمد والسي مصطفى مغزى وعمق هذا المثل، فقد استوعبوا كذلك مغرى ومقصدية الآية الكريمة (ولا تستوي الحسنة ولا السّيئةُ ادفعْ بالّتي هي أحسن فإذا الذي بينكَ وبينهُ عداوةٌ كأنه وليٌ حميمٌ) (سورة فصلت، الآية: 34) التي تدعو إلى الدفع بالتي هي أحسن، ثم تنبه على التعامل مع الذي يحمل لك عداوة كأنّه ولي حميم. لأنه إذا أحسنت إلى من أساء إليك وعاداك، قادته تلك المعاملة الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك، حتى يصير كأنه ولي وصديق و قريب. وهنا يتقاطع مغزى الآية الكريمة وما يرمي إليه المثل السالف. لأن كلمة الصْوابْ بالدارجة و كلمة الصّوابُ باللغة العربية لها المعنى نفسه. حيث يشير علماء اللغة إلى أن الصواب، إصابة الحق في عمل أو قول، و الصواب هو ما كان عمومه حسن. لهذا، من الصواب (بمعناه الدارج أو الفصيح) معاملة من عاداك بالتي هي أحسن و بالوجه الطليق و الابتسامة، وكأنه صديق حميم حتى يعود إلى رشده و يترك المعاداة، فليس الإنسان القوي من يقابل العداء بالعداء، فمقابلة العداء بالعداء يزيد في شرخ و تصدع العلاقات بين الأحباب و يزيد التباعد و التنافر و الجفاء. ليصبح من يقوم بذلك، كمن يحضن بيضة الغول.

                         

                                                                                                                                                                             حاضن بيضة الغول 

إذا كان أصدقاء نهج السيدة عجولة من المثقفين، نخبة السواد الأعظم  من الأمة الذين استوعبوا  مغزى المثل الشعبي وتبينوا  مقصدية الآية الكريمة السالفة الذكر، فإن عداوة حاضن بيضة الغول ثابتة والصواب عنده منعدم أو  يكاد. فمن يكن حاضن بيضة الغول هذا يا ترى؟ جواب هذا السؤال لا يفقهه إلا الراسخون في التاريخ والسياسة وما ارتبط بهما من ملابسات. لكن ما يعرفه عامة الناس وأئمتهم، أن هذه بيضة الغول حين تفقس، يكون حاضنها الهالك الأول  والأخير. وما علينا إلا أن نقول مع الشاعر سهل بن مالك الفزاري. ”إياك أعني واسمعي يا جارة.