قد يبدو أنه قد أصابك بعض الغرور، فقط لأنك تحسن تقدير نفسك وكفاءتك قبل أن تنتظر أو تنظر لتقدير الآخرين! وقد يبدو أنه قد أصابك بعض الفتور في إبداعك، وإن كنت تعلم قواعد التجريب وأنه في وقت يصيب وفي آخر قد يخيب في جذب الجمهور، لكنه محطة أساسية في استمرارية مشروعك الفني وتطوره. ثم لأنك ناجح بالمعيار الفني والتجاري كذلك، صار هذا مزعجا للعامة ممن يحبون الفشل “الجماعي” ويجدونه مطمئنا على فشلهم الشخصي. الرعاع يربون حقدا دفينا على كل من يذكرهم بفشلهم، حيثما نجح هو وكلما تحقق له النجاح! لهم رغبة في أن يجروا الكل للجلوس معهم في قارعة الطريق، فارغا من كل شيء. وهكذا يطمئنون، فإذا عمت هانت!
لكن حين تكون فنانا مبدعا ومثقفا وذو أصل طيب ورجل تربوي كونت العديدين، ليس فقط في حجرات درس الفنون التشكيلية وبرامج الأنشطة الموازية. ولكن في صلب عملك الفني والإبداعي، معلما وعرابا. فإنه من الطبيعي أن تكون كمواطن من العالم وكرجل مشبع بالتامغرابيت، ذو حس مواطن عال وتنتفض في وجه عدم التمدن. هكذا هو حسن الفد الفنان الذي ضحك أمامه طاقم برنامج بودكاست حواري، حين صرح أن “تهركاويت” لفظ علمي وسوسيولوجي يدل على نقص التمدن أو الفاقة فيه. وقد كان ممكنا لإبن خلدون الواضع الأول لأبجديات السوسيولوجيا، أن يضعه ضمن السلوكات التي جردها وحللها!!!
وفي فقرة أخرى في حواره، يقول الفنان الساخر المتصف دوما بالذكاء، سواء المهني أو المعرفي، أنه لا يجب الإشتغال مع “هركاوة” ناقصي التحضر والتمدن هؤلاء، لأنهم بالتالي ناقصي قيم ولا يعرفون ثقافة الإعتراف ولا سبيل أمامهم للإحترام ولابد لهم من عض اليد التي تمد لهم. حسن والعبد الضعيف لله والعديد من الفنانين الذين يحترمون أنفسهم، من زمن كاد ينقضي، ينتمون لمدرسة الجندية في الفن، كما كان يقودها “جنرال” في الفن المغربي هو الطيب الصديقي، اللهم جدد عليه الرحمات. وقد رفض الطيب التعامل مع الكثير من الموهوبين والمدعين والمغرورين منذ أول وهلة، فقط لكونهم لم يحترموا موعدا أو أصابتهم تأتأة في وقت غير مناسب دلت على عدم تمكنهم أو عدم تمكنهم بما يكفي من ولوج ميدان صعب، له أساسين أولا وقبل كل شيء: الموهبة الخارقة والإنظباط العسكري. وقد لا تكون الموهبة أو الكفاءة تعني شيئا، في غياب الإنضباط. كما قد نفضل في أحيان كثر أشخاصا “متوسطي الموهبة” وذوي انضباط وإخلاص لا مشروط في خدمة موهبتهم (وهو موهبة في حد ذاته)؛ أمام كبار موهبة مصابين بالعجرفة والغرور ولا يحترمون مهنتهم وضوابطها.
في كل المجالات لم نعد ندعو لعباد الله بالرحمة لإتقانهم لعملهم، بل صارت الأغلبية المطلقة تصفق للماهرين في التحايل على الوقت والتكلفة والإحترافية والغش في المواد الأولية وقرصنة الأفكار وتبخيس المادة الرمادية وقيمتها التي لا تقدر بثمن. وصارت هذه الخروقات قيمة في حد ذاتها، في بورصة اللاأخلاق واللاقيم التي غزت المجتمع. وهكذا انتشر “هركاوة” بيننا، في كل الأماكن وعلى مختلف الأصعدة. وأصبحت لدى بعضهم الوقاحة في إعطاء الدروس و “الكوتشينغ” في معنى الإحترافية والإتقان، لمهن وتخصصات ومواد لم يمارسوها كما يجب؛ ولم يتعلموها في معاهد ولا داخل صفوف “جندية مهنية”.
إن صرخة حسن الفد الفنان والإنسان، تحمل حسا بيداغوجيا ومواطنا، يتعدى التدمر اتجاه صورة المرأة التي تعرقل السير لترضي نرجسيتها أمام المرآة، وهي تعدل ماكياجها داخل السيارة، في نفس الوقت الذي تتولى فيه السياقة. إنها صرخة اتجاه غياب التمدن، واحترام العيش المشترك واحترام الإتقان في العمل. لذلك كانت نصيحة حسن الفد من ذهب: “لا تشتغل أبدا مع هركاوة!!”. هي تماما كعبارة “من لا يتقن الجيومتري ليس مرحبا به هنا”، التي وضعها فلاسفة الإغريق الموسوعيين، قانونا لحلاقاتهم الفلسفية والعلمية…
المؤسف هو أنه رغم وضعك لهذا المبدأ وعملك به، وأمام ظاهرة التمييع والتشبه بالثقافة والتعلم والتحضر، الذي أصبح فيلترا من فيلترات الحياة اليومية والإفتراضية، تدعمه ديبلومات وتعلمات فقدت قيمتها العلمية وأصبح ممكنا الحصول عليها بطرق ملتوية- ولا نعمم هنا-؛ سوف تصادف “هركاويا أو هركاوية” في حياتك العملية وضمن فريق عملك. وسوف تجن وأنت تطلب منه الإلتزام بضوابط وقواعد مهنية وسلوكية تخالها من البديهيات، لكنها صارت ضرب من ضروب الخيال العلمي لأن المدرسة والأسرة ومؤسسات التنشئة الإجتماعية، لم تعد تعمل عملها بالشكل الواجب واللائق لتلقن للأطفال واليافعين مبادئا أساسية في الحياة. اللهم إن هذا منكر قد استفحل بيننا. واللهم قنا شر “هركاوة” وتعنتهم وعجرفتهم الزائدة عن الحدود!