نبحث عن سياسي جديد، ينتمي تحت لواء حزب عتيد: من الإيديولوجيات الجديدة أو الماضي البعيد. يعبر جيدا كأن له رأي واضح وفريد، لكن دون أن يكون متشبتا بأفكاره، وفي أسلوبه عنيد. نريد سياسيا آدميا، لكن مشبعا بذكاء اصطناعي. وليترك لنا وراء ستار التحالفات والتوازنات، مهمة برمجة ما سيحكمه من خوارزميات. نريد سياسيا وسيما، يعرف انتعال الحذاء الأنيق والبدلة القاتمة والجلباب المخزني ويكسر حضوره بالطربوش الوطني. وتارة تجده يلبس طربوش فاس ويتحدث في جلسة شاي، عن كونه دخل السياسة إيمانا واحتسابا وحبا في بناء غد مشرق للوطن. لن نسأله كثيرا عما يدخره في الأبناك هنا وهناك! سنطلب منه أن يتحدث بعربية مدرجة. وفرنسية لا غبار عليها. وأن يجيد الإنجليزية ويحفظ معها كل أرقام الإحصائيات، التي نزوده بها في الكاتالوغات، عن قطاعه. وحتى عن مؤشرات التقدم، الذي أبى منذ عقود أن يستقر بهذه الأرض السعيدة. وغاب عنا، ومعه مؤشرات التنمية، حتى قبل أن تصيبنا لعنة ندرة الماء! بعدما هجرتنا الأدمغة باكرا إلى أرض الله الواسعة. ولكي لا نظهر للعادي والبادي أننا رفعنا الراية البيضاء، أمام أشباح الفقر والبطالة والتخلف، لازلنا نصادر المطلوب ونتحدث عن الكفاءات.
نريد سياسيا يجيد سرد الحكايا وسحر الجماهير، وحشدها وراء سراب يتبدى ماء زلالا. سياسي لا طعم له ولا لون ولا رائحة. يجيد التقنية ولا تهمه الإستراتيجية. وكلما وجد نفسه في مأزق تواصلي، يضفي على حديثه طابع التمني والإرتباط بالقدرة الربانية. ويشكر كثيرا… ويقر أن الأمر ليس بين يديه البتة، وليس بين أنامله إلا مقص قطع شرائط التدشين، أو ملفات توقيع اتفاقيات الشراكة أو ميزانيات إعداد الدراسات والتصورات، وبرمجة الندوات والأيام الدراسية، التي تنبثق عنها توصيات ومنشورات إمتلأت بها “دار النشر الوطنية”… أما المواطنين فلقد نشروا (بضم النون) وانتشروا وفقدوا الثقة بأي وافد جديد، مهما كانت جديته وحسن نيته. هل من الصدفة أن تمتلأ بلاتوهات نشرات الأخبار المباشرة بمشخصي السيتكومات، ولا مفكرين ولا مثقفين ولا سياسيين في البلاد للحديث عن مواضيع حيوية ولخلق نقاش وطني نحن في الحاجة إليه! حتى كدنا نعتقد أن أهم جدال فكري ومهني في الوطن هو المعاقرة بين “الشعيبية” و “كبور” حول سلسلة هي في الأصل دعاية لماركة، في موسم التبضع الرمضاني، قبل سنوات!!!
من أقنعكم وأقنعنا، كذبا وبهتانا، أن الصمت هو الحكمة التي نحن في الحاجة إليها الآن؟ إن بلادا بلا نقاش مجتمعي، هي بركان خامد قد ينفجر في وجهنا، قبل أن تحاربنا الروبوات وقوى الظلام والأعداء المتربصين بوحدتنا وأمننا وهويتنا…
هل من السليم أن تتعرض الثقافة المغربية بأكملها لجزاء “سنمار”؟! المثقفون أشخاص خجولون بطبعهم وليس هدفهم الأساسي هو الظهور وتوقيع الإنجازات، بقدرما هدفهم نقل المعرفة و الحفاظ على الهوية والتراث. دعوهم يوقعون إبداعاتهم، لا تقرصنوها وتتركوهم عرضة لقلة ذات اليد، وفي المقابل لهم من التواضع ما يكفي لكي لا يسرقوا دوما نظرات الكاميرات ويتركوكم في مقدمة الإنجازات… قنوات متوالدة من نفس القناة الرسمية ولا واحدة من بينها تعيد مسرحية واحدة للطيب الصديقي الذي عاش حياته تحت الأضواء، حين كان مبسطا ومؤنسا وسفيرا فوق العادة. وحين مات متجرعا “نكران جميل” المسرح لمبدعيه ومتجرعا حلمه المتضخم في خلق مؤسسة مسرحية خاصة، ها هو ممحو كإرث ثقافي وطني من كل القنوات التلفزية العمومية.
أما نبيل لحلو فهاجر باكرا إلى لغة البرجوازية الفاسية التي ينتمي إليها و الطبقات الراقية، لغة الإستعمار المبطن تحت الحماية، ليتمكن من بعث إشاراته لمن يهمهم الأمر… ومع ذلك، فإن الراعي ذو العظمة والأخلاق النبيلة، ذكي و يحسن الإستماع. وإن كانت دواليب الإدارة قد جعلت من الفن المسرحي- ذات زمن بألوان التكنيكولور- ومعه حتى السينما، أعمالا ذات إشعاع سري. خاصة المسرح، لخطورته في كونه عرضا مباشرا كأنه تظاهرة مفتوحة على تهييج الجماهير. البوبينات تخزن في المركز السينمائي وتذهب لبعض المهرجانات في حقيبة ديبلوماسية والمسرحيات تلعب في المسرح تحت رعاية “مخبرين من نوع خاص” لتداع في التلفزيون بعد منتصف الليل. لكن كان لهؤلاء الفنانين من محركي البرك الراكدة، الحق في التواجد والإبداع والعيش الكريم. الآن عاش السيتكوم ومعامل الصورة والصوت، ذات الرخص والإحتكار. والباقي إلى مزبلة التاريخ! وها نحن -سادتي الكرام- في أوج كهولتنا لا نضيع نحن فقط، في التمتع بوهم الإبداع وعيش حياة الخشبات وبلاتوهات التصوير. لكن تضيع معنا الخزانة الوطنية في صنع بروباكاندا لائقة وميتولوجيا معاصرة، تعين الشعب على الحلم وتعطيه الأمل. وفي المقابل يتم صنع بيروقراطيي فنون العرض، كما يتم صنع موظفي السياسة تحت إسم التكنوقراط ويافطة الكفاءات. أوقفوا جازاكم الله عنا خيرا هذه السيبة الفنية، و افتحوا المسارح على مصراعيها! لا تخافوا هي أرحم من “روتيني اليومي” و “روتينهم الحزبي”.