كنت قادما من مراكش إلى الجديدة في طاكسي كبير، حيث كنا ستة أشخاص (امرأة و خمسة رجال) نتحدث في كل شيء. وبينما تأخذ الطاكسي طريقها في يوم دافىء، بعد ليلة ماطرة، استوقف دركي السائق، عند مدخل إحدى القرى، مطالبا الركاب ببطاقات هويتهم. استغربت طلب الدركي ذاك، في بداية الأمر، لولا ان أحد الركاب أخبرني بأن الإجراء معمول به، وإن كان تفعيله نادر الحصول.
ونحن نستعيد بطاقاتنا، انتبهت إلى ان وثيقة أحد الركاب، المقدمة إلى الدركي، كانت عبارة عن باسبور. وبحكم التعارف الذي نشأ بيننا في الطاكسي، قلت لصاحب الباسبور ممازحا: على الأقل، هناك باسبور، وإلا قضيت الليلة في ضيافة رجال الدرك، في هذا المكان المقفر، الذي غدا مثل الصحراء، بفعل آثار الجفاف البادية للعيان. على غير ما توقعته، اجابني رفيق الرحلة بأن السبب في ذلك يرجع إلى كونه جزائريا. ولأمازحه أكثر، و أحول الموضوع إلى وجهة اخرى، قلت له: ولون جوازكم مثل جوازنا، أيضا، أخضر. أشار الرفيق ذاته برأسه مؤكدا، ثم أضاف: ولولا حادثة الجواز، ماكان لأحد منكم ان يعرف أنني جزائري (ههه). أليس ما يجمعنا، نحن الجزائريين والمغاربة، أكثر مما يفرقنا؟!!!
فعلا، سحنة رفيقنا وهيأته، تعليقاته حول الوضع المعيشي العام، فضلا عن لهجة الغرب الجزائري التي يتكلمها، كلها لم تترك فرصة للتمييز بين شخصه وبقية الركاب. وأكثر من ذلك، حين استعدنا، نحن الركاب، هوياتنا، لم نسمع من الدركي تعليقا، باستثناء قوله: الله يعاون. عندها، قال الجزائري، وقد أدار الدركي بظهره إلينا: سنبقى شعبا واحدا، على الرغم من كيد السياسة، وأحابيل السياسيين.
تعليق الرفيق الجزائري الأخير، على الرغم من أن مستواه التعليمي لم يكن يبدو عاليا، تكاد تعبر عن حقيقة واحدة: المشاعر الطيبة العفوية المتبادلة بين الشعبين مستمرة، بغض النظر عن بعض الحملات الإعلامية المسعورة.
وأنا اطوي صفحة الجزائري، بعد الوصول الى الجديدة، واتصفح شاشة هاتفي، بين الفينة والأخرى، متعقبا آخر الأخبار عن حرب الصهاينة على اهلنا في غزة، كانت بعض المقالات، المنشورة في عدد من الصحف الجزائرية عن جارهم المغربي، تتقافز بعناوينها إلى واجهة الاهتمام. في الواقع، وبالمقارنة مع ما ينشر في المنابر الجزائرية، لم يبلغ الإعلام المغربي ما بلغه الجيران من إسفاف حد الهذيان. ومن بين ما يمكن قراءته لديهم، مثلا، ان الملك محمد السادس نقل إلى اسرائيل للعلاج، وان مواطنينا في الريف ممنوعون من الحديث بالريفية، وان هناك ثورة وشيكة يهيء لها الجيش، في ظل تفاقم الوضع الاجتماعي، الذي ألقى بالمغاربة إلى أتون الجوع…
ولعل ما يؤسف له أكثر، ما صار يكال للملك محمد السادس من قدح واتهام وشتم، وهو الذي يحرص الا يخاطب الجزائر، شعبا ودولة، الا بالمودة واللطف. أليس في ما يكتبه الإعلاميون الجزائريون غير هذا؟ بالأسلوب الرديء هذا؟
ما من شك في أننا حين نقرأ الصحافة الجزائرية، نتخيل ان المغرب على وشك الانهيار التام، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا. ما من شك في ان الأوضاع صعبة، من جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الا ان تلك الأوضاع ليست بأشد من نظيرتها في الجزائر نفسها، بلد الغاز والبترول. كل حركة اجتماعية في الشارع المغربي، اليوم، قابلة إلى ان تتحول إلى ثورة جياع، لا تبقي حجرا على حجر. ترى، إلى من تتوجه مثل هذه المقالات الهذيانية المجنونة؟ هل غايتها إرضاء الطغمة العسكرية الحاكمة؟ هل مداها ملء الصحف بأي شيء سيء عن المغرب؟
كان هذا دأب الإعلام الجزائري منذ سنوات، واجد أنه يحتد في الآونة الأخيرة، بعد الزيارة الملكية إلى الإمارات، وبعد تأهب المغرب إلى شغل رئاسة الدورة الثامنة عشر للمجلس الأممي لحقوق الانسان.
من المؤسف الا يجد إعلام دولة البترول والغاز والمليون شهيد، ما تقدمه إلى قرائها غير هذه الأخبار التافهة، التي لا تعني مواطنيهم في شيء، والتي لا تحترم حتى ذكاء المتوسط منهم تعليما. كما انه من المؤسف ان تظل دولة كبيرة، بجغرافيتها الشاسعة ومواردها الطبيعية الهائلة، تلهث خلف المغرب، في دلالة على انحطاط شخصية الدولة فيها، وعلى تبعيتها المرضية لكل ما هو مغربي.
ارتقوا في خطابكم، لو تفضلتم، أيها الإعلاميون الجزائريون، حتى نعرف كيف نرد عليكم، وإن لم يعد لدينا مزاج لذلك، في ظل الهجمة الصهيونية الشرسة الحالية على قطاع غزة. ارتقوا حتى تثبتوا بأنكم جديرون بوصف نخبة المجتمع وزبدته، وإلا فالرحمة على مجتمع: هذا خطابه، وهذه قضاياه.