“يا لطف الله الخافي
الطف بنا فيما جرات به الأقدار
العلامات نبات للورى ما خافت
واقوات الظلمات والمكر والبهوت
قوم انصمت وعمات غرهم الحياة
تبعوا حب الشهوات فوقت سحت السحوت”
لو أخذنا هذا المقطع من “لطفية” الشاعر أحمد الغرابلي، التي يتغنى بها في فن الملحون، وجعلناها بديلا عن بيان حزب “العدالة والتنمية”، حول زلزال الحوز، ما كان ليظهر الاختلاف بين الشاعر والسياسي، من حيث طبيعة المضمون وأبعاده. لقد بدا مضمون البيان السياسي هو عينه ما تضمنته قصيدة الملحون من نواح عديدة. وإن كان هناك من فرق، عدا اللغة الشعرية، فهو ذاك الذي يتمثل في نص (قصيدة)، استهدف منه صاحبه العودة إلى الله، عبر نوع من الابتهال الذاتي- التطهير، ونص آخر (بيان) بيت من ورائه أصحابه توجيه اللوم الجماعي (من جماعة محدودة ومحددة) إلى الاخرين (إلى مجتمع باشخاصه الذاتيين والمعنويين)، على أساس ما يفترض أنهم اقترفوه من آثام (ذات علاقة بالفرد أو بالشأن العام)، استحقت عقاباً إلهيا، عبر تسليط كارثة الزلزال. ان الذي يمكن من تصنيف القصيدة ضمن دائرة الابتهال (نشدان الخلاص)، هو علمنا بأن مناسبة نظمها لم يشترطها زلزال، أو ما شابه من كوارث واوبئة. اما بيان اللوم، الذي يحمل معاني التوبيخ والتقربع، فجاء في إثر حدث الزلزال وسياقه.
أليس يحتمل بيان الحزب مضمونا تكفيريا للمجتمع، ولو ان المقصدية العامة كانت تسير باتجاه الدعوة إلى طلب التوبة والمغفرة أكثر من أي شيء آخر؟
لقد كتبت أشياء كثيرة عن سقطة “العدالة والتنمية” الأخيرة. وما نستطيع إضافته، إلى ما قيل، نجمله في النقط التالية:
– على الرغم من قطع الحزب اشواطا في الممارسة السياسية، سواء في المعارضة أم في الحكومة، الا ان لغته الحزبية مازالت تفتقر إلى النضج السياسي. يبدو الأمر لدى هؤلاء “الإسلاميين” اشبه بلغة مراهقين سياسيين، ماداموا لم يقدروا ما يمكن ان يجره عليهم مثل ذلك البيان من تحرش واتهام من قبل غيرهم من الافرقاء السياسيين، بل ومن قبل جميع فئات المجتمع بأكمله؛
– استمرار الخلط بين “الدعوي” و”السياسي”، بما يؤكد فشل تحقيق المسافة المطلوبة بين “الحزب” و”الجماعة”. الحزب الذي ترأس الحكومة، لأكثر من ولاية، لم ينجح في تدبير حدث الزلزال، من منطلق ما يقتضيه من مواكبة على مستوى الاقتراح والمبادرة. البعد الأخلاقي -الديني، يمكن ان يكون له موقع، ضمن خطابات الدعاة والوعاظ، الا أنه من غير الموضوعي ان يكون له موقع ضمن خطابات الأحزاب.
– الإصرار على اعتماد المناكفة السياسية، في سياق كان يتطلب التوجه إلى المشاركة بالمبادرة الايجابية، لا تصفية الحسابات الحزبية. ماذا لو كان زلزال الحوز قد وقع في عهد حكومة بنكيران أو العثماني؟ هل كان الحزب يخرج بمثل البيان الذي خرج به؟ من المؤكد ان الجواب سيكون بالنفي، مادمنا قد تابعنا حصول زلزال من نوع اخر في ولايتهم الحكومية، وهو زلزال التطبيع، دون ان يند عنهم ولو تأفف إبان التوقيع.
ان خطاب المكايدة السياسية، عبر الادعاء بتسليط الله الكوارث والآفات على الحكومات “المناوئة”، عقاباً لها على توجهاتها الايديولوجية والفكرية، أمر شائع في عدد من المنشورات السياسية، ولو أن مجال نشرها منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد حمل زلزال الحوز سؤالا كبيرا على المغرب، بحكومته ودولته وقواه، بالنظر إلى حجم التحدي المطروح على المغاربة قاطبة. ولأنه سؤال كبير، فقد كان الجواب يقتضي من الحزب قدرا من النضج السياسي والحكمة العقلانية، لا بيان إنشاء واتهام وتقريع.