أجرى الرئيس، عبد المجيد تبون، يوم الخميس، لقاء تواصليا مع الصحافة المحلية، عبر فيه عن وجهات النظر الرسمية للجزائر، حول مجموعة من القضايا الداخلية والخارجية للبلاد. وفي معرض الحديث عن الوساطة مع المغرب، نفى الرئيس اية محاولة في هذا الباب. ومن المعلوم ان أخبارا شاعت عن مسعى لملك الاردن، عبد الله الثاني، في اطار التدخل ل”ترطيب” العلاقة بين البلدين الجارين، وذلك خلال الزيارة الأخيرة له إلى قصر المرادية. وفي السياق ذاته، كانت هناك اخبار، في وقت سابق، وبالضبط قبل انعقاد القمة العربية المزعومةل “لم الشمل” العربي، عن مبادرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للمصالحة بين الجزائر والمغرب. وسواء تمت مساعي الوساطة هاته ام لم تتم، فإن الجزائر عبرت عن رفضها لأي مبادرة في هذا الاتجاه، مشترطة على المغرب، في الآن ذاته، الالتزام بتنفيذ عدة مطالب.
ولعل ما دفع الجزائر إلى ان تتصلب في مواقفها، الرافضة لأية وساطة، هو إحساسها “المتضخم” بان المغرب يحتاجها، وبخاصة عندما أقدمت على إغلاق أنبوب الغاز، المار عبر المغرب إلى أوروبا، في وقت كانت أسعار الغاز تنذر بالارتفاع. علاوة على ذلك، فإن الخطاب الديبلوماسي الهادئ والمتعقل للمغرب، ملكا وحكومة، من خلال مد اليد، في أكثر من مناسبة وخطاب، قرىء على أنه “توسل”، في محاولة من المغرب لإعادة العلاقة الديبلوماسية المقطوعة. وأكثر من كل ذلك، ففي كل مرة كان يقدم فيها المغرب على مبادرات إيجابية، من قبيل المساعدة على اطفاء حرائق الغابات، لم تكن لتلقى من حكام المرادية الا الصد، بل والاتهام بالتامر على امن الجزائر مع حركتي “الماك”و”رشاد”.
إلى متى، سيظل الخطاب المغربي الديبلوماسي متعقلا وودودا، على الرغم من الردود “الخشنة” التي يقابل بها، من الجهة الأخرى؟ هل يحتاج المغرب، فعلا، إلى الجزائر، أكثر من حاجتها اليه؟ قبل الحديث عن المصالح، لابد من القول بان الوضع الطبيعي، وبخاصة بين الدول المتجاورة، هو استمرار العلاقات الديبلوماسية، حتى في حال وجود أسباب لسوء الفهم. استمرار هذه العلاقات، إضافة إلى مبادرات الوساطة، هي الكفيلة بدرء سوء الفهم والنزاع، ان كانت الرغبة في ذلك قائمة من الطرفين. اذن، لماذا ترفض الجزائر الوساطة، في ظل تأكيد المغرب عزمه على حل جميع المشاكل الثنائية، بحسن نية، وبما لا يضر بمصالح جاره، عبر عقد طاولات حوار؟
من المؤكد ان الموقف الديبلوماسي للمغرب هو الاقوى، من منظور العلاقة الطبيعية التي ينبغي ان تسود مع جار شقيق، تربطه به أواصر اللغة والدين والثقافة، ومن منظور الحاجة إلى درء كل النوايا السيئة، التي يمكن ان تشعل نزاعا مسلحا، يودي بالمنطقة في حرب لا تترك ولا تدر. هكذا، يبدو الخطاب الديبلوماسي المغربي حكيما، صادرا عن الإحساس بالثقة في الذات، مع ما يحظى به من تقدير من قبل المنتظم الدولي.
ان الأسئلة ، التي يتوجب الإجابة عنها، من قبل صناع القرار السياسي في الجزائر، من جهتهم، هي التالية: هل توقفت الحياة في المغرب بعد قطع أنبوب الغاز؟ وهل توقفت الحركة في المغرب بعد إغلاق المجال الجوي عن الخطوط الملكية؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فلماذا يصر قصر المرادية وجنرالاته في ما هم فيه من قطع العلاقة؟
أعتقد ان المشكل داخلي، خاص بالجزائر لا بغيرها، في محاولة حكامها لخلق “وهم العدو الخارجي”، الذي عبره يمكن تحشيد القوى الداخلية من جهة، ومنع اي تفكير جدي في مساءلة السلطة، حول استبداد العسكر بالسلطة، وعلى تبدير مقدرات البلاد من الغاز والنفط، من جهة أخرى؟
ما من شك في ان المغرب سيستمر في مد يد التواصل إلى الجزائر، من منطلق القوة التي يمتلكها بالتفاف شعبه، ومن منطلق القيم النبيلة التي يؤمن بها.. هو لن يخسر شيئا، مثلما تخسر الجزائر صورتها امام دول العالم، باعتبارها دولة خشنة وعدوانية، من شأنها ان تشعل حربا في اي لحظة.