عرفت القمة العربية صعوبات كبيرة، قبل ان يستقر القرار على عقدها، خلال شهر نونبر، بالعاصمة الجزائر. ويمكن القول بانه لم يحصل، هناك، غموض، بالنسبة لظروف انعقاد جميع القمم العربية السابقة، مثل الذي تشهده القمة المقبلة. لقد تراوح انعقاد القمة بين الإحباط والتفاؤل، لأسباب تنظيمية وسياسية عديدة. وإلى اليوم، مازال التشويق يكتنف انعقاد قمة الجزائر: هذه المرة مع توالي الأخبار عن تخلف عدد من الزعماء العرب عن الحضور، اخرهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
اختار النظام الجزائري لهذه القمة شعارا جذابا، متمثلا في”قمة لم الشمل العربي”. وكان يمكن للنظام ان ينجح في الخروج بنتائج إيجابية تنعكس على وحدة الصف العربي، في فترة صعبة وحساسة يسود فيها الشك والقلق، بسبب الآثار الناجمة عن انتشار وباء كوفيد من جهة، وكذا الآثار المتداعية عن الأزمة الروسية – الاوكرانية، وما رافقها من ارتفاع اسعار النفط والغاز والفوسفاط والمواد الغذائية، من جهة ثانية. اما إذا التفتنا إلى القضية الفلسطينية، التي تعرف تطورات متلاحقة، جراء سياسات الحصار والتقتيل التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، فقد كان بإمكان النظام ذاته، ايضا، المساهمة في احداث التأثير المطلوب على الوضع الفلسطيني، على الاقل بالابتعاد عن الغرق في المزايدات الفلسطينية – الفلسطينية حول موضوع المصالحة. فالجميع يعرف اسباب تعثر هذه المصالحة، التي لايران يد فيها بالفعل. والغريب ان الجزائر، التي تدعي الوقوف مع “فلسطين ظالمة او مظلومة”، تجد نفسها منخرطة في تحالفات اقليمية، لا تساهم في حل معضلة”تشتت القرار الفلسطيني”.
كان يمكن لقمة الجزائر ان تكون قمة الحسم في كثير من القضايا العربية. غير ان الديبلوماسية الهاوية لحكام قصر المرادية، جراء غرقها في المزايدات السياسية الخاوية، قد اسقطت كل “أوراق” التفاؤل من خروج القمة بنتائج إيجابية تنعكس بالخير على الدول العربية كافة.
لايمكن لسياسة “لم الشمل”، المفترى عليها، ان تقصي بلدا جارا كبيرا، من اي سبل للتصالح معه، وفق ما تقتضيه حقوق الجورة والاخوة والمصالح المشتركة. ومن ثم، فبقدر ما كان شعار “لم الشمل” ذا مضمون جذاب، كان بدون معنى ملموس، ايضا، حيث العرب يشهدون، من اقصاهم الى اقصاهم، على عدوانية جار على جاره، وما ترتب عنها من اغلاق الحدود، وقطع العلاقات الديبلوماسية. اي لم للشمل، هذا الذي يدعيه قصر المرادية، وهو يجر المنطقة المغاربية الى صراع اقليمي مفتعل، قد تنتج عنه حرب ضروس لا قدر الله؟
تجتهد الديبلوماسية الجزائرية، في فترة رئاسة عبد المجيد تبون لاستعادة حيويتها، في ظل ارتفاع اسعار الغاز والبترول. غير ان اجتهادها ذاك لا يمكن له ان يثمر، عربيا، في حدودها الدنيا، وذلك لعدة أسباب، من بينها ثلاثة:
– الاصطفاف مع النظام الإيراني، الذي ترى فيه معظم الدول العربية عاملاً على جلب اللاامن واللاستقرار الى بلدانها، بما يصطنعه فيها من ميليشيات مسلحة، لها تأثيرها السلبي على النسيج الشعبي داخل البلد الواحد؛
– عدم الوقوف مع بعض الدول العربية، وضمنها المصرية والسودانية، اللتان وجدتا في انحياز الجزائر إلى صف إثيوبيا، في ما يتعلق بالحقوق في مياه النيل، دليلا على عدم الأخذ بالتضامن العربي الواجب ماخذ الجد؛
-الاستمرار في النهج العدائي ضد المغرب، وافتعال مشاكل لا اسس موضوعية لها معه، بل وحشد دول “في هشاسة اقتصادية وسياسية” للاضرار بالوحدة الترابية للجار المغربي.
لقد كان بالإمكان عقد قمة عربية ناجحة، بما تسفر عنه من نتائج إيجابية على جميع العرب من جهة، وبما تحققه لدولة الانعقاد من نجاح دبلوماسي من جهة اخرى. غير ان تناقض الجزائر مع الشعار، الذي اختارت تبنيه في القمة المقبلة، قد عرى نواياها الحقيقية. ومع ذلك، هل يمكن ان نتوقع احداثا، قد تقلب الإحباط الى تفاؤل، بحضور الملك محمد السادس الى القمة…
لو حصل، وتجاوب قصر المرادية مع الواقع بحكمة وتبصر؟؟؟