التصوف الإسلامي والإنشاد الديني

الكوليماتور: الدكتور جمال الدين بنحدو

إن اتخاذ طريقة جديدة للمناداة للصلاة في الإسلام كانت هي البادرة الأولى للإنشاد الديني، إذ رغم أنها فكرة عبد الله بن زيد الذي قص رؤياه على رسول الله حيث سمع في منامه أذانا يدعو للصلاة فصدقه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بالأذان ففعل فلما سمع عمر رضي الله عنه الصوت أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أولا تبعثوا رجلا آخر يصلح له؟ فلما فرغ عبد الله بن زيد من الأذان قال له الرسول صلى الله عليه وسلم قم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أحسن منك صوتا، فنادى بها بلال وظل يجود فيها كل يوم خمس مرات ويرتلها ترتيلا حسنا بصوت جميل جذاب ، ومن هنا بدأت فكرة التغني بالأشعار والأذكار الإسلامية وقد صال وجال في ذلك المؤذنون عبر الربوع الإسلامية وعبر الزمن حيث اتخذوا قوالب عديدة وآحترموا أذواق المناطق وميولاتها الفنية وأصبح للأذان كذلك طرائق معينة:
المقام الموسيقي الراست : البياتي الحجاز، أضف إلى ذلك الزخارف والحليات.
من حيث الإطالة والمد في بعض الحروف او العكس في الأخرى، وكذا تغير المقام الموسيقي أثناء الأداء وهو ما يسمى بالتحويلة الغنائية.
وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على يد مجموعة من الصحابة وهنا لن أتحجج بنشيد طلع البدر لأنه سند صحيح ولكن كأننا بـ :”الاستماع والانتفاع بمسألة سماع السماع” لابن الدراج السبتي وعدد كبير من أمثاله يرجع ذلك قصائد حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم وقصائد أخرى تغنت بالدعوة إلى عبادة الله والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض.
ثم ما يكون قد أنشده الرسول صلى الله عليه وسلم عند بناء المسجد النبوي: “اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة ” إلى غير ذلك من الأثر الإسلامي.
الغناء – كما قال – ابن الدراج السبتي هو: المفروض فيه الكلام ورفع الصوت مع ترداده بلحن كان أو غير لحن واختلف علماء عن حقيقته عند العرب، فذهب أبو سليمان الخطابي ومن نحا نحوه إلى أن تلك حقيقته عندهم قال رحمه الله : كل من رفع صوته بشيء ووالى به مرة بعد أخرى فهو غناء عند العرب وأكثره فيما شاق من صوت أو شجى من نغمة ولحن فلذاك قيل غنت الحمامة وتغنى الطائر، قال المجنون: ألا قاتل الله؟ الحمامة غدوة على الغصن ماذا هيجت حين غنت
وقد توسع الكتاب في حقيقة الغناء والإنشاد عند الصحابة وما صاحبه من آلات موسيقية عرفته بها العرب عبر أشعار مثل :
لها مزهر يعلو الخميس بصوته أجش إذا ما حركته اليدان
وكذلك قيل:
جاءت بعود كأن الحب أنحله فما يرى فيه الا الوهم والشبــح
فحركته وغنت في الثقيل لـه صوتا به الشوق والاحشاء ينشرح
وقد تطور الإنشاد الديني الى درجة أصبح للملحنين مكانة مرموقة وحضورهم أصبح مفروضا ومؤكدا، ونذكر ممن اشتغل فيه عبر الدولة الإسلامية الأول: ابراهيم بن المهدي واخته علية، ابو عيسى صالح بن هارون الرشيد، عبد الله بن موسى الهادي، المعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين أبو عيسى بن المتوكل، وعبد الملك بن مروان الذي حسب كتب التراث كان يجزل العطاء لمن أجادوا في الإنشاد، والإنشاد الديني والفن بصفة عامة كما وجب أن لا نغفل عن اسحاق الموصلي أشهر الموسيقيين في العصر الأموي، الخليفة الواثق وعبد الرحمان بن الحكم الذي ذاع في عصره صيت الفتى زرياب وغيرهم كثير ممن أجادوا في تلحين القصائد الدينية حسب ما جاء في كتاب شرح نهاية الأرب وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وعصر المامون للدكتور فريد رفاعي.