“قهوة نص نص” هو اسم العرض الفني الذي يختبر شكلين فنين وهما المسرح والسيرك. قلما نجد إبداعات تمتح من خارج نطاقها المرسوم سلفا لها؛ ولو أننا بدأنا نعيش راهنا انمحاء الحدود بين العديد من الفنون من اجل إبداع أعمال فنية هجينة. إنها مغامرة ليست بالهينة وتستدعي من المبدعين عمقا معرفيا حتى لا يتم السقوط في هستيريا هدم الحدود بدون أي بناء مقنع. لكن فرقة “كولو كولو” خلقت هذا الاستثناء كي تمكن فن السيرك من أن يجد له في فضاءات أخرى مكانا آخر لتقديم أعمالها في غياب تام لخيمة السيرك. إن انطلاق هذه التجربة ليس أولا لإكراهات الفضاء، لأنه لا يشكل دافعا أكبر بالنسبة للتوليفة الإبداعية التي شارك في تشكليها وتقديمها للجمهور كل العاملين في هذا الإبداع الفني؛ والذي انزاح عن النطاق الكلاسيكي لتقديم لوحات مختلفة لبعض ألوان السيرك.
هذا الهم الفني يتأتى من مجموعة من الشباب الذين مروا من مدرسة شمسي التي تؤطرها “الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية غير مستقرة”. إذ بعد تخرجهم ونظرا لأن التجربة الفنية في عالم السيرك جد فتية والآفاق جد محدودة، وبما أنهم أدركوا أهمية الإستمرار فقد شكلوا مجموعة من الشباب من أجل التحسيس بأن مايقومون به هو فن ويجب تقديمه رغم الظروف الصعبة وغياب الدعم. إذ بدأوا منذ 2013 بالعمل على خلق مجموعة من العروض الفنية التي تستثمر مقومات المسرح من أجل تقديم السيرك في قالب آخر. ففي عملها الأول “قهوة نص نص”
والذي تم عرضه في مهرجانات عديدة نظرا لتميزه عبر كتابة فنية استغلت بذكاء فضاء المقهى، الذي يشكل مكانا لتجمع الناس، بحيث تم نسج مجموعة من الشخصيات في هذا المكان، ليتحول المقهى إلى فضاء مفتوح للقاءات مدهشة بأداء رائع للوحات المعهودة في السيرك. كل ذلك تأتى عبر كتابة مسرحية مكنت المتفرج من متابعة العرض كمحكي يومي لمقهى غير عادي ترتاده شخصيات غير عادية.
لمدة ستين دقيقة لم يفقد المتفرج ذلك الخيط الرفيع الذي يربطه بهذه التجربة الاستثنائية، بحيث أمتع هذا العرض جمهوره المتعطش في الظروف الآنية لعروض فنية تنسيه كل هذا الحصار الذي خلفته حالة الطوارئ الصحية.
يبقى الأمل معقودا على المواكبة المدعمة لهؤلاء الشباب الذين تمكنوا من تجاوز محنة الحياة القاسية للالتحام بفن السيرك كمصير مثخن بحياة ثانية.