لماذا تقام الأعياد ؟ الأعياد تأتي لتذكرنا بشيء ما أو للفت انتباهنا لشيء مضى. ما الذي يجعل العالم بأسره يحتفل بالحب ؟
أسئلة قد تبدو للوهلة الأولى مفرغة من شحنة السؤال الحقيقي، لأن مسألة الحب تبدو كما لو أنه تم الحسم فيها بشكل قطعي.
لكن عن أي حب يتكلمون عنه ؟.
إنه الحب بين امرأة ورجل .
حينما قام القديس فالونتان في العهد الروماني و تحدى كل شيء ليآلف بين قلوب المحبين بتزويجهم، أغضب الإمبراطور الروماني آنذاك معتبرا ذلك عملا سيخل بآلة الحرب، ويجعل الرجال يستأنسون برفقة النساء ويركنون للآمان الذي تمنحه أحضان نساء محبات. لذا لابد من قتل هذا القديس حتى لا يظل الحب قويا أمام شراسة الحرب.
اختير الرابع عشر من شهر فبراير للاحتفال بالحب كإشارة كبرى إلى أن الحب يرقد في مكان ما في هذه الأرض.
كتبت ماركريت ديراس مرة “إن في قلب الفقد، نجهر بالأشياء”. إنها ترجمة حقيقية لحالنا. حيث الحب هو آخر ما نقدمه على مائدة المحبة. كما لو ترسخ في لاوعي الإنسان أن الحب ضعف وتهالك. إذ تضخم حجم هذا المفهوم بحيث لم يعد بالإمكان رسم حدود له.
لقد فقد بريق نظرته الأولى وأصبح كهلا. هل يكفي يوم واحد لإيقاظ جذوة الحب الأولى في قلوبنا، ونحن كل يوم نشرب من نبع الحروب اليومية ونتصارع في الطرقات كما لو انطلق العداد في سباق محموم إلى المراتب الأولى؛ وفي غياب رهيب لكل الأخلاق التي تنير طريق النبل في تعاملنا مع بعضنا. عن أي حب يتكلمون حينما يتحول إلى صناعة تأخد شكل الحلم الرومانسي والذي من وراء استهلاك منتوج لليلة واحدة ستضخ دماء جديدة في رأس مال العديد من المؤسسات الباردة والتي تخلو من أي إحساس بالحب، لأن ما يهمها هو الربح.
الحب في العصر الحالي يحتاج إلى نفس عميق كي يتمكن من قطع هاته المسافة المهولة ليصل إلى الهناءة بأقل الخسارات الممكنة. الحب لا يعلن عنه في واجهات المحلات التجارية أو على أغلفة الحلوى. الحب هو الارتماء في قلب مقاومة شرسة لإحتصان بعضنا من شراسة اليومي والإحتماء ببعضنا تحت سقف محبة بسيطة تعلن وجهها مكشوفا في الأفعال لا الأقوال.
كان محقا محمود درويش حينما ألقى بحجر هاته الكلمات في البركة الآسنة لإنسانية مسكونة بنيران نيرون “أنقذونا من هذا الحب”..
صرخة تستحق أن تصبح شعارا يوميا ضد هذا الحب الزائف.
فلتنم قرير العين أيها القديس فالونتان لأنك دفنت معك المعنى الحقيقي للحب.