فاجعة الطفل ريان… كيف حولتنا إلى “إخوة يوسف”…

ريان الطفل المغربي تحول إلى شخصية أسطورية بعدما احتشد العالم حوله واستمر لخمس ليالي بأكملها ينتظر صعود هذا الطفل العجائبي حيا من تجربة هذا الهبوط العميق في أغوار الأرض. لقد عرف ذلك السقوط الذي لا يتجشمه سوى الأبطال الأسطوريون في ملحمة كبرى. لكنها ملحمة إنسانية معاصرة.

قد يقول البعض أننا بدأنا ننصهر في قلب قراءة متعالية لمأساة حقيقية لطفل سقط في بئر، لكن رغم كل المحاولات فإن الموت كان بالمرصاد لكل هاته الجهود التي باءت بالفشل مخلفة الألم والحسرة. فبدل أن نعري الوضع الإجتماعي والاقتصادي اللذان أوصلانا إلى هذه المأساة, فإننا اخترنا لهذا الحدث تقديم قراءة محايثة لأن هاته التجربة رغم قساوتها نسجت حكاية مذهلة بتشابكاتها.

في البدء تمت مناصرة حقيقة أن الإعلام وشبكات الاتصال الاجتماعي بإمكانها أن تحول حدثا بسيطا إلى حدث عظيم. لكن ماحدث هو أشبه بانقلاب السحر على الساحر، وهو انفلات الحس الإنساني من عقاله واستيقاظ كل الموروث التخييلي للإنسان بغض النظر عن اختلاف المشارب والمستويات. هناك ذلك اللاوعي المرتبط بالصور التي اختزنها الإنسان طوال عمر البشرية. إنها تلك التوليفة الغريبة مثل رمزية البئر والإقامة المهولة لطفل في قلب البئر، والهبوط إلى مكان الظلمات الشبيه بالهاديس في الميتولوجيا..والحبل الذي تدلى كخيط أريان المترع بكل هالات النور الذي يقود إلى الخلاص.

كيف لا يصبح هذا المشهد شبيها بخروج عارم من واقع الحال إلى استعارة كبرى لوضعنا الإنساني القاتل، وقد تحولنا إلى إخوة يوسف وقد آفاق فيهم ضمير الإنسانية ليوقفوا التاريخ وينقدوا ماتبقى من يوسف المعاصر لنا. كيف حفرنا بئرا عميقا في الأرض ونسينا أن هناك طفل حالم بيننا. كيف تجمهر العالم كله حول هذا الطفل وانتظر بحرقة خلاصه من بئر الظلمات.

انه انتصار لذلك الإنسان فينا بعدما تم عزف ذلك اللحن الأول من طرف جوقة المحبة لطفل أصبح بين ليلة وضحاها طفل البشرية.

كل الدموع وكل الصرخات المكتومة والجنازة المسربلة بنشيج الأمهات المكلومات، كتبت في صفحة البشرية أن هناك عمق إنساني يوحدنا وأن الإختلاف ماهو إلى متاهة مأهولة بجهل ونسيان غريب عن هذه الأرض التي نسكنها.

نتمنى لعودة الروح هاته لقلب الإنسان أن تستمر، فمن الصعب أن يعيدنا بئر آخر لإنسانيتنا.