أخبارسياسةفي الصميم

النخب التقليدية وصعود المؤثرين الرقميين: تحوّل في أنماط الشرعية السياسية

بقلم: محمد خوخشاني

بقلم: محمد خوخشاني

يشهد المشهد السياسي، في المغرب كما في عدد من الدول، تحوّلاً بنيويًا يتمثل في انتقال جزء من الفعل السياسي من الفضاء الحزبي والمؤسساتي التقليدي إلى الفضاء الرقمي، حيث برز فاعلون جدد لا يستمدّون حضورهم من المسار التنظيمي أو الخبرة التسييرية، بل من قدرتهم على بناء رأسمال رمزي عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

هذا التحوّل لا يمثّل مجرد تجديد في النخب، بل يعكس إعادة تشكيل لمصادر الشرعية ولآليات الوصول إلى السلطة والتمثيل السياسي.

أولاً: منطقان متباينان للشرعية:

1. الشرعية التقليدية

تُبنى على عناصر محددة:

● التدرّج داخل التنظيم الحزبي

● الخبرة في التدبير العمومي

● رأس المال المعرفي والمؤهلات الأكاديمية

● المشاركة في الحياة السياسية وفق قواعد مؤسساتية واضحة

2. الشرعية الرقمية.

تستند إلى:

● عدد المتابعين والتفاعلات

● القدرة على التأثير الفوري وتوجيه الرأي العام

● الحضور الدائم عبر المحتوى المرئي أو التعليقي

● بناء علاقة نفسية مباشرة مع الجمهور، لا تمر عبر الوسائط الحزبية أو الإعلامية

وبين المنطقين، يبرز اختلاف عميق في التصورين: السياسي التقليدي ينظر إلى العمل العام باعتباره مسارًا تراكميًا طويل الأمد، بينما يتعامل المؤثر مع السياسة باعتبارها امتدادًا لنشاطه الاتصالي.

ثانياً: الحالة المغربية كمرآة للتحوّل

كشف الاستحقاق الانتخابي لسنة 2021 عن بداية دخول جيل من الفاعلين الرقميين إلى المؤسسات المنتخبة. بعضهم التحق بأحزاب قائمة، والبعض الآخر اختار بناء رصيده الشعبي قبل الانتماء السياسي، في ما يشبه قلبًا للمعادلة التقليدية:
لم تعد المؤسسة هي التي تمنح الاعتراف، بل الجمهور الرقمي.

وقد مثّل النقاش الذي رافق محاولة التحاق بعض المؤثرين، مثل مايسة سلامة الناجي، بحزب سياسي، دليلاً على أن الأحزاب نفسها باتت تدرك أن الرأسمال الاتصالي أصبح عنصرًا حاسمًا في تجديد قواعدها الانتخابية، خصوصًا في ما يتعلق بفئة الشباب.

ومع ذلك، تظل الإشكالية الأساسية غير محسومة: هل تكفي الكفاءة التواصلية لتعويض غياب الخبرة المؤسساتية؟

ثالثاً: دينامية عالمية لا تخص المغرب وحده.

تظهر حالات مشابهة في فرنسا، البرتغال، إيطاليا، الولايات المتحدة، والبرازيل، حيث تمكن مؤثرون رقميون من دخول البرلمانات دون تجربة سياسية سابقة.

هذا يعني أن التحول ليس ظرفيًا ولا محليًا، بل جزء من إعادة تشكيل شاملة للعلاقة بين المجال العمومي والتكنولوجيا الرقمية.

في هذا السياق، لم تعد الكفاءة المعرفية وحدها كافية للولوج إلى السلطة، بل أصبحت القدرة على إنتاج الانتباه عنصرًا قائمًا بذاته ضمن معايير الشرعية السياسية.

رابعاً: التحديات المطروحة أمام المؤسسات

هذا التحوّل يفرض على المنظومة السياسية مجموعة من الأسئلة الجوهرية:

1. التأهيل والكفاءة
كيف يمكن ضمان قدرة فاعلين جدد على تدبير ملفات تتطلب خبرة قانونية ومالية واقتصادية معقدة؟

2. إدارة الزمن السياسي
كيف يمكن التوفيق بين منطق التفاعل الفوري الذي تحكمه خوارزميات المنصات، ومنطق القرار العمومي الذي يخضع لدورات زمنية أطول؟

3. طبيعة العلاقة مع المواطنين
هل يتحول الناخب إلى “متابع”، والعقد السياسي إلى علاقة شخصية غير مؤسساتية؟

خامساً: مقاربة تركيبية ضرورية

تظهر الحاجة إلى صيغة هجينة تجمع بين:

● الحضور الرقمي القادر على إعادة إدماج الشباب في الحياة العامة

● والتأهيل السياسي والمؤسساتي الذي يسمح بالانتقال من “التأثير” إلى “الحكم”

فلا يمكن إنكار القيمة التعبوية للمؤثرين، ولا يمكن في المقابل تصور سياسة عامة مبنية على منطق التفاعل اللحظي. إن دخول المؤثرين إلى الفضاء السياسي لم يعد سؤالًا افتراضيًا، بل واقعًا قائمًا يفرض على الأحزاب، المؤسسات، والمجتمع المدني إعادة التفكير في معايير الانتقاء والتأهيل والتمثيل.

فإما أن يتم إدماج هذه الطاقات في إطار تكوين مؤسساتي يعيد التوازن بين الشعبية والكفاءة، وإما أن تنزلق الحياة السياسية نحو مشهد اتصالي متسارع، يُقصي الخبرة لصالح الانتشار الرقمي.

المسألة، في جوهرها، ليست صراع أجيال، بل صراع بين نموذجين للشرعية وللممارسة. والتحدي الأكبر ليس في دخول المؤثرين إلى المؤسسات، بل في قدرتهم على ممارسة السلطة داخلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci