
بقلم: سعيد بوعيطة
من منا (خاصة الجيل الذي تعلم بواسطة تلاوة سلسلة اقرأ للراحل أحمد بوكماخ)، لا يتذكر القصة الطريفة المعنونة ب” زوزو يصطاد السمك”، أما الجيل الحالي، فلا علم له بالسيد زوزو، ولا بالمربي الراحل أحمد بوكماج، باستثناء قاطني مدينة طنجة الذين يتوفرن على مركز ثقافي يحمل إسم أحمد بوكماخ، أما السمك الذي جعل السيد زوزو يختار منه الكبير، ويغض الطرف عن الصغير، فإنه لو ذهب اليوم إلى الصيد، لعاد بخفي حنين. لأن مغربنا الحبيب، أصبح لا سمك فيه، سواء الصغير منه أو الكبير.
لقد اختفى السمك والله وحده أعلم بسبب ذلك، أما في رواية أخرى، فإن سمك المغرب الذي مل من حياة البحر المليئة بالبلاستيك ومشتقاته، فهجر البحر وفضل السكن في العلب المعدنية (الشبية بالسكن الإقتصادي)، ليرتاح قليلا من سلوك الإنسان.
أين سمك المغرب يا زوزو؟
وبما أن المناسبة شرط كما يقول الفقهاء، فإن مناسبة حديثنا عن السيد زوزو وسمكه، هو أننا لا حظنا أثناء تواجدنا بمدينة آسفي خلال الأسابيع القليلة الماضية (كما لاحظ الجميع) غياب شبه تام للسمك، خاصة السردين الذي كلما ذكر المواطن المغربي مدينة آسفي، ذكر معها السردين. وإن وجد مع قلته، فقد تجاوز 25 درهم للكيلوغرام الواحد. فإين سمك المغرب يا زوزو؟
حكى السيد زوزو والعهدة على الراوي
روى السيد زوزو، والعهدة على الراوي، أن هذا هو السؤال الذي حير الجميع. لكن ما هو مؤكدأن المغرب يُعد من أبرز الدول المصدرة للأسماك على المستوى العالمي، بفضل سواحله الممتدة على طول 3500 كيلومتر وغناه بـ500 نوع من أجود أنواع الأسماك. إلا أن المواطن المغربي يجد نفسه عاجزًا عن شراء هذه الثروة البحرية التي تُصدَّر بأسعار زهيدة إلى الخارج، في حين تباع بأسعار خيالية داخل البلاد.
ويضيف السيد زوزو أن هذه المفارقة العجيبة، تثير العديد من الأسئلة حول أسباب الغلاء، وأدوار السماسرة والوسطاء في التحكم بالسوق، وحقيقة الرقابة على الأسعار، إضافة غياب حلول واقعية، تتيح للمغاربة التمتع بخيرات بلادهم. لهذا، يصاب السيد زوزو بالدهشة، حين يرى الأسعار المنخفضة للأسماك الطازجة، فالكيلوغرام من السردين يُباع في سوق الجملة بثمن لا يتعدى 3 دراهم أحيانًا، بينما يصل إلى 25 درهمًا أو أكثر عند بيعه بالتقسيط في الأسواق. أما الأنواع الأخرى من الأسماك، كالقمرون أو الشرغو، فقد يصل سعرها عند المستهلك إلى سبعة أضعاف ما تم بيعه به في سوق الجملة.
هذه الفجوة الشاسعة بين سعر الجملة وسعر التقسيط، تُفسَّر بتدخل عدة أطراف في سلسلة التوزيع، وعلى رأسهم السماسرة “الشناقة”، الذين سيطروا على تجارة الأسماك، كما سيطروا على مواد أخرى. يُضيفون تكاليف غير مبررة في كل مرحلة من مراحل التوزيع بلا حسيب ولا رقيب. وعلى الرغم من وعود الجهات المسؤولة، بالتصدي لهذه الممارسات، إلا أن الفجوة بين الخطابات الرسمية (لغة الخشب) والواقع على الأرض، تجعل المواطن المغربي يتساءل: أين دور مؤسسات الرقابة؟ ولماذا لا يتم تفعيل القوانين التي تضع حدًا لممارسات الاحتكار؟ ومن هم هؤلاء الشناقة؟
تثير هذه الأسئلة وغيرها، العديد من المفارقات العجيبة والغريبة، والصادمة كذلك. خاصة إذا علمنا أن السمك المغربي يُباع بأسعار أقل في الأسواق الأوروبية مقارنة بالسوق المغربي. ففي باريس مثلا أو مدريد، يُمكن العثور على سمك مغربي طازج بأسعار معقولة جدًا، وهو ما يجعل المغاربة يتساءلون: كيف يُمكن لبلد المصدر أن يشتري أسماكه بأسعار أعلى من المستوردين؟ هذا الواقع، يُفسَّر بتركيز المغرب على تصدير كميات كبيرة من الأسماك إلى الخارج لجلب العملة الصعبة. مما يجعل العرض المحلي شحيحًا ومرتبطًا بشروط تسويقية صارمة. وبالمقابل، تعتمد الأسواق الأوروبية، على اتفاقيات تجارية تضمن الحصول على هذه المنتجات بأسعار تنافسية، بينما يُترك المواطن المغربي عرضة للسماسرة (الشناقة) وأسعارهم الملتهبة.
أين الرقابة يا سيد زوزو؟
يرد السيد زوزو قائلا، على الرغم من وجود مؤسسات رسمية مسؤولة عن مراقبة الأسعار، مثل مجلس المنافسة ومصالح وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلا أن غياب تطبيق صارم للقوانين، جعل هذه الجهات تبدو عاجزة عن كبح ممارسات الاحتكار والاستغلال. مما جعل المستهلك المغربي، يُعاني من غياب حماية قانونية حقيقية، في ظل ضعف الجمعيات المعنية بالدفاع عن حقوق المستهلك. وعلى الرغم كذلك من أن القانون، يمنح السلطات صلاحيات فرض عقوبات على المخالفين، إلا أن التنفيذ لا يتخذ مساره الصحيح، وغير كافٍ لضمان العدالة في الأسواق. لهذا، فعلى الرغم أن المغرب يُعد من أكبر المصدرين للأسماك في العالم، فإن المواطن يعاني من حرمانه من هذه الخيرات بسبب هيمنة السماسرة وضعف الرقابة.
السيد زوزو يبيع لوازم الصيد في الجوطية
أما السيد زوزو الذي احتار من أمره، ولم يجد لأسئلته أجوبة كافية وشافية، أينما ولى وجهه، فقد قرر بيع لوازم الصيد بالجوطية، واكتفى بشراء السمك المعلب من صاحب الحانوت. لكن مهما فعل، ينطبق عليه المثل المغربي’‘حلوف كرموس”. ولو قدر للراحل أحمد بوكماج العودة إلى الحياة، لحذف حكاية”زوزو يصطاد السمك” من التلاوة. لأن السيد زوزو لن يجد سمكا يصطاده بعد اليوم، وأن بحرينا أصبحا يتحكم فيهما الشناقة وعلى عينيك يا بن عدي كما يقول المثل المغربي.


