أخباررياضةفي الصميم

عزيز داودة يرثي أحمد فرس.. الأساطير لا تموت

 بقلم: عزيز داودة

كنتُ محظوظًا بمعرفة أحمد فرس. لا يُطاق عليّ الحديث عنه في الماضي، فهو الذي كان جزءًا لا يتجزأ من الفريق لفترة طويلة. مرّ وقت طويل منذ أن لمس الكرة. قليلون هم من ما زالوا على قيد الحياة، أولئك الذين شاهدوه يلعب، أولئك الذين انتظروا، في المباريات، مراوغته، غزارة كرته، تسديدته، هدفه.

كان فرس رجلاً استثنائياً، خجولاً ومتحفظاً للغاية. حتى في مكان ما، كان دائماً متحفظاً: كتوماً، مهذباً، طيب القلب، يتمتع بحساسية عالية، ومودة، وحساسية.

لكن فرس سيبقى دائمًا جزءًا من الحاضر. إنه أسطورة حقيقية في كرة القدم المغربية والأفريقية، فالأساطير لا تموت.

ولد أحمد فرس سنة 1946 بمدينة فضالة، الاسم القديم للمحمدية. كانت المحمدية مدينته، وشباب ناديه الأبدي. في ذلك الوقت، لم تكن هناك سوق انتقالات، ولا هجرة، ولا مرتزقة كرة قدم. ترعرع في نادٍ، وتعلم اللعب فيه، وبقي فيه. لم تكن طباعه طباع مهاجم: لا عدوانية، ولا دهاء.

عوّض ذلك بعبقريته، فلم يكن بحاجة إلى محاكاة أو تدحرج على الأرض لإقناع الحكم وإحداث بلبلة. عبقريته وفرت عليه كل ذلك. كان مهاجمًا استثنائيًا ترك بصمة في تاريخ كرة القدم الوطنية والقارية. ملعب البشير سيفيده كثيرًا. كان الأفضل في المغرب آنذاك.

أحمد فرس هو نتاج جيل تربّى في إطار هيكلة المدارس الرياضية التابعة لوزارة الشباب والرياضة. مفهومٌ قضى عليه ما يُسمى بالإصلاحات الإدارية والسياسية، ومع ذلك فقد تربّى فيه أبطال المغرب في جميع الرياضات.

تميزت مسيرته الكروية المبكرة بتوجيه مدربين مرموقين مثل لخميري، الذين ساهموا في صقل العديد من المواهب المغربية. مكّنه هذا الأساس المتين من تطوير مهاراته الفنية والعمل الجماعي مبكرًا، مما أصبح سمةً مميزةً في أسلوب لعبه.

أمضى أحمد فرس مسيرته الكروية كاملةً مع نادي شباب المحمدية، من عام 1965 إلى عام 1982، دون أن يحصل على عقد احترافي. لم يكن هذا موجودًا في المغرب آنذاك. لا داعي للحديث عن مكافآت التعاقد، ولا عن نتائجه، حتى مع المنتخب الوطني.

كان ولاؤه لفريق شباب ملحوظًا. حوّله إلى بطل مغربي وأصبح هدافه. قاد رفاقه في اللعب،عسيلة، و أحمد الدلاحي، المعروف بلقب “كلاوة”، والحدادي، وآخرين، إلى القمة.

كان فرس ركيزة أساسية في المنتخب المغربي. بتسجيله 36 هدفًا في 94 مباراة، كان هدافًا تاريخيًا لأسود الأطلس! قاد المنتخب الوطني لثماني سنوات، وشارك في كأس العالم 1970 في المكسيك، وفي دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ 1972.

في عام 1975، أصبح أحمد فراس أسطورةً بكونه أول مغربي ينال جائزة الكرة الذهبية الأفريقية، وهي جائزةٌ أبرزت جودة أدائه واستمراريته. وضعَه هذا التكريم بين أعظم لاعبي القارة، في منافسةٍ حامية مع كبار النجوم الأفارقة. وترددت أنباءٌ عن انتقاله إلى ريال مدريد… لكن في ذلك الوقت، كان ممنوعًا على أي لاعب شاب في الدوري المغربي مغادرة البلاد للعب في الخارج تحت طائلة عدم استدعائه للمنتخب الوطني. وكان يُعتقد أن هذا من شأنه تعزيز كرة القدم الوطنية…

كانت أبرز محطات مسيرته بلا شك كأس الأمم الأفريقية عام 1976، التي فاز بها المغرب في إثيوبيا. كان فرس قائدًا على أرض الملعب، وهداف البطولة، وكان تأثيره حاسمًا في هذا الانتصار التاريخي، اللقب الأفريقي الكبير الوحيد للمغرب حتى الآن. سجل أهدافًا حاسمة ضد نيجيريا ومصر في البطولة، مجسدًا دور القائد والاستراتيجي على أرض الملعب. ويبقى القائد المغربي الوحيد الذي رفع كأس أفريقيا المنشود.

زرتُ ملعب أديس أبابا عدة مرات حيث رفع الكأس، وفي كل مرة، لا تزال صورته عالقة في ذهني. صورةٌ بالأبيض والأسود لا تُمحى، لكنها محفورةٌ في تاريخ المملكة وفي ذاكرة المغاربة آنذاك الذين تابعوا المباراة بصوت أحمد الغربي… لم تكن هناك تغطيةٌ مباشرةٌ آنذاك.

كان قائدًا محترمًا ومستمعًا إليه، مع مدربين عظماء، عبد القادر لخميري، وبلاغوي فيدينيتش، وعبد الله ستاتي، وجبران، وعلى وجه الخصوص جورجي مارداريسكو خلال هذه الملحمة في بلد الإمبراطور هيلا سيلاسي.

كانت كاريزمته ورؤيته للعبة أساسيتين في توحيد الفريق وقيادته إلى قمة القارة الأفريقية. جسّد فرس روح التفوق والفخر الوطني طوال البطولة. كما تم اختيار الفريق وقيادته من قبل قائد متميز، العقيد مهدي بلمجدوب.

ويبقى اسمه مرتبطا بهذا الغزو الأسطوري، الذي يرمز إلى إمكانات كرة القدم المغربية عندما يقودها قادة نموذجيون، ومديرون على دراية ومخلصون، ولاعبون يقاتلون حقا من أجل ألوان قميص المنتخب.

لم يكن أحمد فرس لاعبًا موهوبًا فحسب، بل واصل بعد اعتزاله شغفه بالمشاركة في تدريب الشباب، ونقل معرفته وشغفه بكرة القدم إلى الجيل التالي. كان مصدر إلهام لأجيال عديدة من اللاعبين.

العمل مع الحاج أحمد فرس هو العمل مع رمزٍ للوفاء والموهبة والقيادة فريدٍ من نوعه في المشهد الرياضي المغربي. سيبقى اسمه محفورًا في الذاكرة الجماعية كعملاقٍ كروي، يتجاوز إرثه حدود الرياضة ليُلهم أجيالًا بأكملها.

ارقد بسلام يا صديقي. يومًا ما، سيحمل اسمك ملعب كرة قدم عظيم في البلاد، وسيحمله جيدًا إذا سار اللاعبون على نهجك، وتبعوا مسيرتك، واحترموا مسيرتك، وإذا ارتقى الجمهور إلى مستوى الحدث، احترامًا لاسمك العظيم.

الحاج أحمد فرس، إذا التقيتَ بأسيلا هناك، فقل له أن يتجاوزك مرةً أخرى، وقل ل”كلاوة” أن يدافع جيدًا…

اعلم أن نجمك يسطع وسيظل يسطع فوق رؤوسنا في سماء الوطن الجميل الذي أحببته كثيرًا.

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci