
في قلب العاصمة الرباط، وتحديدا أمام “قسارية تخفيضات رضى”، لم يعد مشهد الطوابير الطويلة أمام محطات سيارات الأجرة (الطاكسيات) استثناءً يوميًا، بل بات صورة تختزل حجم المعاناة التي يواجهها المواطن المغربي مع وسيلة نقل يفترض أن تكون في خدمته، لا عبئًا إضافيًا يثقله كل مساء.
من الساعة الثامنة مساءً، تبدأ رحلة العذاب. رجال ونساء، شباب ومسنون، يصطفون في طوابير أملا في طاكسي قد يقبل نقلهم إلى وجهتهم، والغريب في الامر يمر صاحب الطاكسي بجانبهم ببرود، دون اكتراث كأن المكان فارغ.
الانتظار قد يمتد لساعات، ثلاث أو أربع، وأحيانا أكثرن فيما تتحول الشوارع إلى مساحات للقلق والانتظار والمساومة.
في تلك اللحظات، سائقو الطاكسيات يدخلون مرحلة جديدة من “الانتقاء والاستغلال”، يختارون الوجهات التي تدر عليهم أرباحًا أكثر، ويتفادون الأحياء البعيدة، وكأنهم في سباق لجني أكبر قدر من المال بأقل مجهود.
وجهات مثل حي كريمة او حي الرحمة او السوبير … ،باتت حلما بعيد المنال في المساء، حيث يرفض أغلب السائقين التوجه إليها، رغم أن القانون يفرض عليهم نقل الزبون وفقا للمكان المطلوب.
التحايل أصبح نمط عمل: يحملون الركاب من وسط المدينة نحو أحياء قريبة مثل تابريكت أو “البوسطة”، ثم يعودون لاستئناف الدورة ذاتها، متجاهلين من ينتظرون لساعات، كل ذلك، دون أدنى مراقبة، ولا محاسبة تذكر.
أسعار التنقل تتغير بحسب المزاج والساعة، في وضح النهار، قد تكون 5 دراهم، لكنها تتحول إلى 10دراهم ابتداءا من الساعة 22.00 ليلا، وأحيانًا إلى 30 درهمًا بعد منتصف الليل، دون عداد أو مبرر قانوني، المواطن يدفع الثمن من جيبه وكرامته، إذ لا يملك خيار آخر، أمام غياب بدائل فعالة.
المفارقة الكبرى أن كل هذا يحدث ونحن نستعد، كدولة، لاحتضان كأس العالم 2030. فأي صورة نقدمها للعالم؟ وأي نموذج حضاري نعكسه، إذا كانت العاصمة نفسها غير قادرة على توفير أبسط حقوق المواطن: التنقل بكرامة وأمان؟
النقل ليس مجرد وسيلة، بل هو شريان حياة، وتركه في يد فوضى غير منظمة، بلا مراقبة ولا محاسبة، يعني أننا نفتح أبواب الإهانة اليومية على مصراعيها، فالمواطن لم يعد يتحمل هذا الاستهتار.
السؤال الذي يتردد على ألسنة الواقفين في الطوابير كل مساء: إلى متى؟ إلى متى تظل الرباط، عاصمة البلاد، رهينة لمزاجية سائقي الطاكسيات؟ إلى متى يغيب الردع، وتدفن الكرامة تحت عجلات الجشع؟
الحلول معروفة: تفعيل أجهزة المراقبة، تشديد العقوبات على المخالفين، تطوير النقل العمومي، وفتح باب المنافسة بشكل عادل.
فهل من آذان صاغية؟ أم أن المواطن سيبقى ينتظر في الطابور، كما ينتظر إصلاحا لا يأتي؟


