
بقلم: زكية لعروسي

في الأول من ماي سنة 1995، وبينما كانت فرنسا تحتفل بعيد العمال، سقط الشاب المغربي إبراهيم بوعرام، ابن التاسعة والعشرين ربيعا، ضحية لعنصرية همجية لا تعرف لغة سوى الحقد. على ضفاف نهر السين، تحت جسر الكرّوسيل بباريس، رمي إبراهيم بوعرام حيّا إلى المياه من طرف أربعة متطرفين يمينيين جاؤوا للمشاركة في مظاهرة الجبهة الوطنية، ليموت غرقا… ويولد رمزا.
لم يكن اغتيال إبراهيم بوعرام “حادثا عابرا”، كما حاول البعض تسويقه، بل كان جريمة مكتملة الأركان، نتاج إيديولوجيا مريضة تشرعن الكراهية وتدجّن النفوس على التفرقة، وترى في الآخر المختلف تهديدا وجوديا. منذ تلك اللحظة، أصبح اسم إبراهيم بوعرام جزءا من الذاكرة الجماعية، جرحا مفتوحا وشاهدا صارخا على أن العنف العنصري ليس رأيا… بل جريمة.


واليوم، بعد ثلاثين عاما، لا تزال باريس تعود إلى هذا الاسم، لا لتذرف دمعة عابرة، بل لتقول إن للذاكرة حقا، وإن للصمت حدودا. ففي بور روايال، قرب نهر الشهادة، اجتمعت وجوه مناضلة من مختلف الحساسيات، تقدمهم محمد زروالت، رئيس الفيدرالية للجمعيات المغربية في فرنسا، بعزيمة لا تخفت، كما حضرت عمدة باريس، لتؤكد أن مدينتها، وإن جرحت ذات يوم، لا تزال قادرة على أن تقف في صفّ العدالة والكرامة.
هذا الاستحضار النبيل هو دفاع عن كرامة المواطن المغربي، ولو بعد الغياب، وللقول ان الذاكرة، في عرف السياسة الفرنسية، لا تخضع لمنطق الانتقاء.
إن عنصرية اليوم، مهما بدّلت لغتها أو تقنعت بشعارات براقة، تظل الوجه القبيح لنفس الفكرة: إلغاء الآخر. ولذلك فإن التنديد بها لا يكون فقط بالخطابات، بل بالفعل المدني، باليقظة الجماعية، وبصوت لا يخفت في وجه كل تطرف.
فالعنصرية ليست مجرد تحامل على لون أو دين أو أصل، بل هي قتل للإنسانية فينا. إن حضاراتنا لا تنمو وهي عرجاء، ولا تتنفس في مناخ الخوف والعداء، بل تزدهر فقط حين يعترف للآخر بحقه في الوجود والكرامة.
إننا، إذ نحيي ذكرى إبراهيم بوعرام، لا نرثي ضحية، بل نحيي قيمة. نذكّر بأن كل رصاصة تطلقها الكراهية، تصيبنا جميعا، وبأن التاريخ، حين نطق، لم يمجّد حضارة انغلقت على ذاتها، بل عظّم تلك التي اختارت التعدد والتعايش والاحترام.
إبراهيم بوعرام… لن تنسى. لأن الذاكرة التي لا تقاوم الظلم، ليست ذاكرة، بل شهادة زور.


