ترامب: بين عبث الأسطورة وصرامة الإمبراطور… لسان يتقلب بنا بين الضحك والنحيب

بقلم: زكية لعروسي

إذا كان التاريخ يحب الجنون حين يصير عظيما، فإن دونالد ترامب هو أحد فصول هذا الجنون الباذخ، فصل لا يمكن تجاهله، لا بمنطق السياسة ولا بحدس الأدب ولا حتى بدهشة التاريخ. كلما نطق، تجمد الدم تارة، وتسيل الضحكات مرة أخرى، كأنك تقف في مسرح إغريقي، حيث البطل يصرخ بكلمات تفوح منها الرعونة، لكنها تجر خلفها أمواجا من التغيير، والعاصفة، والضجيج.

ترامب لا يقرأ من كتاب العالم، بل هو من يكتب الكتاب. في أحدث مشاهد هذه الملحمة المتقلبة، اقترح الرجل أن يدفع المال للمهاجرين غير النظاميين ليغادروا بلدان “الحلم الأمريكي” بأنفسهم، وكأننا أمام عرض تجاري لا إجراء سيادي. “نمنحهم مالا وتذكرة، ثم نتفاوض معهم إن أردناهم أن يعودوا”، هكذا قالها دون ارتباك، وكأن مصائر الناس يمكن أن تحلّ بكوب قهوة وصفقة لحظية.

قد يقول قائل: أي جنون هذا؟ لكنه ليس جنونا فارغا، بل جنون نيرون حين عزف على قيثارته وروما تحترق، أو جنون قيصر حين اجتاز الروبيكون متحديا قوانين روما. إن لسان ترامب لا يتحرك كلسان سياسي… بل كمطرقة أسطورية، تصفع السائد وتنكشف من خلالها حقائق مشوهة بجرأة لا تعرف الحرج ولا التراجع.

هذا الرجل لا يقف في خط التاريخ، بل يسير داخله كإعصار. خطاباته، سواء عن المهاجرين، أو عن “تحرير” 350 مليون أمريكي من “المجرمين”، هي مسرح لغوي لا يخلو من الكوميديا السوداء. ففي لحظة، يدعو لطرد المجرمين الأمريكيين إلى سجون في أمريكا اللاتينية، وفي أخرى، يقترح توظيف المهاجرين إن حصلوا على الأوراق القانونية… متقلب كالمحيط، لكنه لا يهدأ.

أهو هرقل العصري؟ أم بروميثيوس العصيان؟ أم ميداس الذي يحوّل السياسة إلى ذهب إعلامي؟ أم مجرد تاجر صفقات يصيغ العالم بمنطق المزادات؟ مهما اختلفت الأوصاف، الحقيقة أن ترامب حالة لا تتكرر، رجل يربك العقل، ويحرك العواطف، يبعث الخوف والإعجاب، القلق والانبهار. يسكن قلوب مؤيديه كمنقذ، ويشعل مخاوف خصومه ككابوس لا ينتهي.

وبين هذا وذاك، تبقى ظاهرة ترامب لغزا سياسيا لا يُفك بشفرات الدبلوماسية التقليدية، بل يُقرأ كعمل درامي تاريخي تتصارع فيه القوة والبساطة، الجنون والعبقرية، النكتة والتهديد. في لسانه رعد، وفي منطقه ارتباك، وفي حضوره جاذبية يصعب إنكارها. إنه ترامب… الأسطورة المعاصرة، التي كتبت على جدار العالم: “أنا لا أشرح، أنا أدهش.”

Please follow and like us:
Pin Share