أخبارسياسة

الصحراء المغربية: إسبانيا في قلب الإجماع الدولي حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي

بقلم: زكية لعروسي

لم تكن قضية الصحراء المغربية مجرد ملف ديبلوماسي عابر في أجندة السياسة الخارجية للمملكة، بل شكلت ولا تزال، حجر الزاوية في الرؤية الملكية السامية التي رسم ملامحها جلالة الملك محمد السادس، بكل حنكة وصرامة وإصرار. خلال السنوات الأخيرة، شهد هذا الملف تحولات عميقة ومذهلة، دفعت المجتمع الدولي إلى إعادة تموقعه، وفرضت نفسها باعتبارها المرجعية الوحيدة للحل الممكن والعادل: مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

لقد أدركت القوى الدولية، ومعها الفاعلون الإقليميون، أن الزمن لم يعد يسمح باستمرار الوضع الراهن الذي تجاوز نصف قرن، وأن التشبث بالمقاربات القديمة لا يخدم سوى الجمود ويقف عائقا أمام الحلول الواقعية. هنا بالضبط، برزت الدينامية الملكية الحاسمة، التي أعطت زخما استثنائيا للملف، وجعلت منه أحد العناوين الكبرى للديبلوماسية المغربية الحديثة، القائمة على الوضوح، والمصداقية، ومركزية السيادة الوطنية.

إسبانيا، الجار والشريك، لم تكن بمعزل عن هذا التحول الجوهري. بل يمكن القول إن موقفها الأخير شكل نقطة تحول استراتيجية، وحدثا دبلوماسيا نوعيا أعاد التأكيد على قوة الروابط بين المملكتين المغربية والإسبانية، والتي تضرب بجذورها في عمق التاريخ، وتشهد عليها قرون من التفاعل الحضاري والمصالح المشتركة والتعاون الثنائي. موقف مدريد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي، لم يكن فقط تعبيرا عن اقتناع سياسي، بل اندرج ضمن دينامية دولية متسارعة، تعزز من يوْم لآخر.

 

 

اليوم، بات من الواضح أن المبادرة المغربية لم تعد خيارا من بين خيارات، بل أصبحت الخيار الوحيد الواقعي والجاد والمطروح على طاولة الأمم المتحدة. كيف لا، وقد حظيت بدعم صريح من قوى عظمى كالولايات المتحدة، وفرنسا، وعدد من الدول الخليجية، و22 دولة من داخل الاتحاد الأوروبي، بل وأعضاء دائمين في مجلس الأمن. كما أضحت محور تحرك ديبلوماسي واسع يمتد من العواصم الإفريقية إلى نظيراتها في أمريكا اللاتينية وآسيا.

وفي ظل هذا الزخم، يصبح الموقف الإسباني اليوم أكثر من مجرد دعم؛ إنه رسالة سياسية قوية تؤكد أن التحولات الحاصلة لا رجعة فيها، وأن مبادرة الحكم الذاتي تشكل أفق الحل، وأن الوحدة الترابية للمملكة لم تعد مجالا للنقاش بل ثابتا سياديا يفرض نفسه بمنطق التاريخ، والجغرافيا، والمشروعية.

لقد فتح هذا الموقف الباب أمام آفاق جديدة للتعاون المغربي الإسباني، في إطار احترام السيادة المتبادلة، والعمل المشترك من أجل الاستقرار والتنمية في المنطقة. وهو ما يشكل امتدادا طبيعيا لعلاقات لم تكن يوماً مجرد علاقات جوار، بل شراكة استراتيجية عنوانها الثقة والتقاطع والتكامل.

يمكن القول إن الجهد الملكي الاستثنائي، والدينامية الدولية المذهلة، والمواقف الجريئة من الدول الفاعلة، قد خلقت فرصة نادرة وتاريخية لحل هذا النزاع المفتعل. فرصة تستند إلى مبادرة الحكم الذاتي لسنة 2007، كحل وحيد وواقعي، يحفظ وحدة المغرب الترابية، ويعزز الاستقرار الإقليمي، ويضع حدا لرهانات استدامة الصراع. ومن يعارض هذا التوجه، إنما يختار الجمود، ويصطف ضد منطق التاريخ وضد إرادة الشعوب.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الصحراء في قلب الإجماع، والحكم الذاتي في صلب الحل، والمغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس هو من يكتب فصول هذا النصر الدبلوماسي المبهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci