
مساء الجمعة، احتضنت المكتبة الوطنية بالرباط لقاء لتقديم السيرة الذاتية “ميموزا – سيرة ناجٍ من القرن العشرين”، التي خطها الشاعر والمعتقل السياسي السابق وعضو هيئة الإنصاف والمصالحة، صلاح الوديع.
اللقاء لم يقتصر على تقديم الكتاب فقط، بل تخلله عرض وثائقي يعكس محطات من حياة الوديع، ويتناول تاريخ عائلته ذات الحضور البارز في الساحة السياسية والأدبية والحقوقية.
وخلال حديثه، استعاد الوديع تفاصيل من اعتقاله داخل نفس المعتقل الذي زُجّ فيه والده، محمد الوديع الآسفي، قبل سنوات، قائلاً: “لم أنسَ، لكنني سامحت”.
وأضاف أن تأليف الكتاب استغرق سنوات طويلة، موضحاً: “حين تبدأ الكتابة، تظن أنك أنت من يقود النص، لكن سرعان ما تكتشف أن الكتاب هو من يسحبك خلفه بديناميته الخاصة.
أول ما حرصت عليه في ميموزا هو الموضوعية، قدر الإمكان، رغم صعوبة ذلك عند الحديث عن الذات ومن عاشوا معك.
أشعر بمسؤولية تجاه الأجيال القادمة، لأننا لسنا سوى حلقة في سلسلة، وعلينا أن نحفظ الذاكرة، كذلك سعيت لأن يكون الأسلوب الأدبي حاضراً، وأن يجد القارئ متعة في القراءة، لا عبئاً”.
وتابع: “حاولت أن أكون موضوعياً كما لو كنت مؤرخاً، رغم أنني لا أقدم عملاً تأريخياً بالمعنى الصارم، بل هو نص أدبي يستعيد الذكريات، قد يُصنف كسيرة حياتي الخاصة، وظروفي الأسرية، وتاريخ الوطن، كلها تشابكت في هذا العمل.
إنها سيرة ناجٍ من القرن العشرين، مزيج بين الجفاف التاريخي ورهافة الشاعر، أتمنى أن أكون قد وفقت في نقل ما جرى، لا للبكاء على الماضي، بل لفتح أفق أمام المستقبل”.
وأشار إلى أن الفصل الأخير من الكتاب موجَّه للشباب، كوصية سياسية وفكرية واجتماعية، قائلاً: “جيلنا واجه تحديات كبرى، وهذه كانت مقاربتنا، وأنتم اليوم تعيشون في عالم مختلف جذرياً”.
العالم الجديد، كما وصفه، يطبعه “ما يحدث في فلسطين من فظائع، والأزمة الاقتصادية، والتحولات العميقة في نظرة الشعوب الإفريقية لأوروبا الاستعمارية، إلى جانب منعطفات كبرى في مسار البشرية”.
وختم قائلاً: “هذا عالمكم، عيشوه، وارتبطوا بوطنكم بلا تردد من دونه، نصبح مجرد أشباح تائهة ،هذه الأرض هي حياتنا، وعلينا أن نحافظ على وحدتها، ونناضل من أجل عدالة اجتماعية تضمن تماسك الشعوب في مواجهة الامتحانات الكبرى المقبلة”.
كما استرجع الوديع أولى تجاربه مع القمع، عندما اعتُقل والده سنة 1963، قائلاً: “أيقظتني والدتي فجراً لنبحث عن أبي، لأنه لم يكن من عادته الغياب كانت تبلغ من العمر 28 سنة حين تحدثت مع الحارس بجرأة: ‘فين دّيتوه؟’”.
وتحدث عن صلابة والدته التي رأت في اعتقال زوجها دليلاً على وطنيته، وعن نصيحة والده له في طفولته: “ثمن الموقف هو السجن، وإذا لم نصل لما نطمح إليه، فعلى أبنائنا أن يصبروا على دفع الثمن”.
وعن ما بعد مرحلة الاعتقال، تحدث عن انخراطه في “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، التي وصفها بأنها مدرسته في هذا المجال، حيث عمل فيها من سنة 1988 حتى نهاية التسعينات، وهي الفترة التي شهدت بروز فكرة “هيئة الإنصاف والمصالحة”، التي بادر إلى طرحها الراحل إدريس بنزكري، قبل أن يتم تأسيس منتدى الحقيقة والإنصاف سنة 1999، لتتبلور الفكرة تدريجياً حتى إعلان الهيئة سنة 2004.
وختم صلاح الوديع حديثه بالتأكيد على أن التجربة المغربية في العدالة الانتقالية تُعد من بين أبرز خمس تجارب عالمية من أصل 60، مضيفاً: “رغم ما يمكن أن يقال عن العثرات والاختلافات، إلا أنه من واجبنا أن نشهد لما تحقق. فالسلطة، بطبيعتها، تميل إلى الحفاظ على الواقع، أما التغيير الحقيقي، فغالباً ما يأتي من المثقفين والمجتمع المدني. لهذا، يجب أن نواصل الدفع نحو التغيير المؤسسي بروح جديدة”.


