أخبارفي الصميمكتاب الرأي

هل تحولت الثقافة إلى ناد مغلق للكبار؟

بقلم: زكية لعروسي

 

كلما صدر كتاب جديد، تكررت الأسماء ذاتها، وترددت التصفيقات نفسها، وكأن المشهد الثقافي المغربي قد تحول إلى ناد حصري لا يسمح بدخوله إلا لمن يحمل “بطاقة العضوية” المناسبة. أين هم الشباب؟ أين هي الأصوات الجديدة؟ ولماذا يبدو الأمر كما لو أن الإبداع المغربي قد جف عند أعتاب حفنة من الأسماء التي تتحكم في مفاتيح “بيت الأدب والشعر”؟

إن الأدب لا يورث، واتحاد كتاب المغرب لا ينبغي أن يكون إرثا عائليا يوزع بين قلة تحتكر المشهد. بل هو مساحة للأرواح المبدعة، أيا كان اسمها أو خلفيتها.

من المفترض أن تكون وزارة الثقافة حاضنة للإبداع، لكن الواقع يكشف عن ناد مغلق، حيث النشر والتكريم والترويج محصور في دوائر ضيقة. لا أحد ينكر أن بعض هذه الأسماء قدمت أعمالا مهمة، ولكن هل يعقل أن يظل المشهد الأدبي محتكرا لهم وحدهم؟ هل توقف المغرب عن إنجاب مبدعين جدد؟ أم أن الموهبة وحدها لم تعد كافية لدخول “الدائرة الذهبية”؟

قبل أيام، قرأت إعلانا عن صدور ديوان شعري جديد، تتقدمه مقدمة من اسم ثقافي بارز، وإطراءات محفوظة تقال في كل مناسبة. السؤال هنا ليس عن جودة العمل، بل عن آلية النشر والترويج: لماذا لا تحظى المواهب الشابة بنفس الدعم؟ لماذا تبدو الساحة الثقافية وكأنها سوق نخبوية، لا يدخلها إلا من يملك العلاقات الصحيحة؟

تذكرت حينها أمي خيرة، تلك المرأة التي لم تذهب إلى المدارس، لكنها تحمل في ذاكرتها آلاف الحكايات. رأيتها ترفع عينيها إلى التلفاز، حيث الأسماء ذاتها تحتفي ببعضها البعض، ثم تتنهد قائلة: “هل الإبداع حكر على هؤلاء فقط؟

.وينك يا عمتي الشاعرة سليلة الف ليلة وليلة والثائرة..تعالي لتنظري لو كنت حية لنلت حظك ربما من الطبع، ولكن راني كنحلم راه الإبداع عندنا ولا بالوراثة!”

وإن لمست كتابا من تلك الكتب الفاخرة، بصفحاتها الذهبية وحروفها المنقوشة، فإني أكاد أسمعها تضحك بسخرية: “ذهبوا يزينون كتبهم بالذهب، وأنا لا أملك حتى خاتما!”

هذه الأموال التي تنفق على “تلميع” أسماء بعينها، أليست أموالا عمومية؟ أليست من حق كل كاتب يحمل شيئا جديدا ليقوله؟ أم أن “بيت الأدب المغربي” قد أصبح ملكية خاصة، لا يدخلها إلا من يملك مفتاح العلاقات؟

وزارة الثقافة توزع الأموال، لكن لمن؟ للذين يعرفون الطريق إلى صالونات النخبة، للذين أسماؤهم تتكرر في كل إعلان عن إصدار جديد، في كل ندوة، في كل دعم للمشاريع الثقافية. كأن المغرب لا يلد مبدعين إلا من نفس الرحم، وكأن الإبداع إرث لا يسمح لمن ليس من العائلة تذوقه.

أمي خيرة لا تقرأ الشعر، لكنها تفهم معنى الظلم، وتعرف أن المغرب مليء بمبدعين يعيشون في الظل، فقط لأنهم لا يملكون “الكتاف”. تنظر إلى التلفاز، تتنهد، ثم تهمس: “هؤلاء ليسوا وزراء ثقافة، هؤلاء وزراء العائلة!”

فمتى سنرى كتبا لشباب لا يملكون سوى أقلامهم وأحلامهم؟ متى ستكسر هذه الدائرة الحديدية التي تمنع الإبداع الحقيقي من الوصول إلى الناس؟

اليوم، يبدو المشهد الثقافي وكأنه مأدبة مغلقة، لا يسمح بالجلوس على موائدها إلا للضيوف المعتادين. لكن هل هذا هو قدر الثقافة المغربية؟ أليس من واجب وزارة الثقافة واتحاد الكتاب، الذي بات “غائبا عن الوجود”، أن يعمل على كسر هذا الاحتكار وفتح الأبواب أمام الأصوات الجديدة؟

إذا كان الإبداع قد أصبح امتيازا، فقد فقد جوهره. الأدب الحقيقي لا يولد في الغرف المغلقة، بل في فضاءات الحرية والانفتاح. فمتى سنشهد تغييرا حقيقيا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci