بقلم: زكية لعروسي

يحتل أثاث بيت النوم، وخاصة السرير وخزانة الملابس، مكانة رمزية في العديد من الثقافات الشرقية والمغربية، إذ يمثل مركز الحياة الزوجية وركيزة الاستقرار العائلي. في التقاليد العربية والمغربية، كان تجهيز العروس لبيت النوم شرطا جوهريا في الزواج، وكان يعتبر جزءا من “الجهاز” الذي تحضره الزوجة إلى بيت الزوجية، مما يرسخ ارتباط المرأة بهذا الركن من المنزل.
في بعض المجتمعات الإسلامية والمغربية القديمة، كان أثاث بيت النوم يُعتبر ملكا شخصيا للزوجة، بمعنى أنه يظل في حيازتها حتى في حال الطلاق أو وفاة الزوج. وتوجد إشارات تاريخية إلى أن بعض القوانين العرفية كانت تمنح الزوجة الحق في الاحتفاظ بهذا الأثاث، على أساس أنه يمثل جزءا من “صداقها” أو تجهيزها الشخصي الذي لا يحق لأحد مصادرته.
ففي مجتمع تقليدي حيث كانت المرأة غالبا غير مستقلة اقتصاديا، كان تسجيل أثاث بيت النوم باسمها يمنحها ضمانا ماديا في حالة الطلاق أو الترمل. فامتلاك الأثاث، وخاصة السرير والخزانة والمرايا، كان يعتبر تأمينا لمستقبلها، إذ يسمح لها بالاحتفاظ بمساحتها الخاصة حتى لو تغيرت الظروف الزوجية.
من الناحية الاقتصادية، كان أثاث بيت النوم في بعض الفترات الزمنية يصنع يدويا بتكاليف عالية، وكان يُعتبر من المقتنيات الثمينة في المنزل. لذلك، فإن تسجيله باسم الزوجة كان وسيلة لضمان عدم استحواذ أسرة الزوج على الأثاث في حال حدوث خلافات أسرية، خصوصا أن الأعراف المجتمعية كانت أحيانا تمنح أهل الزوج نفوذا أكبر على ممتلكات البيت.
يرتبط بيت النوم في الثقافة المغربية برمز الخصوصية والحميمية، وهو المكان الذي تتشكل فيه أعمق الروابط بين الزوجين. ولذلك، فإن تسجيل الأثاث باسم الزوجة قد يكون تعبيرا عن احترام دورها الأساسي في الحياة الزوجية، واعترافا بمكانتها داخل الأسرة. كما أن هذا التقليد قد يكون نوعا من التقدير المسبق للمرأة، بحيث تظل تحتفظ بشيء يمثل رمزية علاقتها الزوجية حتى لو انتهت.
كما أن هناك دلالات نفسية قوية لهذا العرف، إذ يمنح المرأة إحساسا بالأمان العاطفي، ويعزز فكرة أن بيت النوم هو مساحتها الخاصة التي لا يمكن المساس بها، بغض النظر عن المتغيرات الأسرية.
يبقى السؤال يطرح نفسه: هل لهذا التقليد الوجدي جذور في الأساطير والمعتقدات القديمة؟
في بعض التقاليد الشرقية والمغربية، كان يعتقد أن امتلاك المرأة لأثاث بيت النوم يعزز من “حظها” واستقرارها في الزواج. فهناك اعتقادات شعبية ترى أن المرأة التي تحتفظ بسريرها بعد الطلاق أو وفاة الزوج قد تجذب زواجا جديدا أكثر استقرارا.
كما أن بعض الأساطير المغربية تربط بين الفراش والحماية الروحية، حيث يعتقد أن للسرير طاقة خاصة تحمي المرأة من سوء الحظ والتقلبات الأسرية. ولذلك، فإن تسجيله باسمها قد يكون مرتبطا بشكل غير مباشر بمعتقدات قديمة حول دور السرير كرمز للاستقرار العاطفي والاجتماعي.
إن تقليد تسجيل أثاث بيت النوم باسم الزوجة في وجدة والمناطق الشرقية المغربية ليس مجرد إجراء مادي، بل هو ممارسة غنية بالرموز الثقافية والتاريخية والاجتماعية. فهو يعكس محاولة لضمان استقرار المرأة ماديا بعد الزواج، ويحمل في طياته جذورا تاريخية ممتدة من التقاليد المغربية والشرقية التي تعترف بدور المرأة في الحفاظ على توازن الأسرة.
وبالرغم من أن هذا التقليد قد تراجع مع تطور القوانين والوعي الاجتماعي، فإنه يظل شاهدا على حقبة كان فيها الأمن الاجتماعي للمرأة يبنى على العرف والتقاليد، أكثر من كونه مسألة قانونية بحتة.