أسبوع في الداخلة.. لؤلؤة الصحراء المغربية

 

 

 

بقلم: ذ. محمد طواع*

كانت فكرة قضاء أسبوع في هذه المدينة الساحرة، في البداية، فقط من أجل زيارتها سياحيا. كان المقترح من أحد الأصدقاء، الذي هو بدوره يعيش ما تبقى من الحياة، ما بعد إنهاء الخدمة مع وزارة التربية الوطنية، لكي لا أستعمل لفظ المتقاعد. نسكن معا في نفس الحي في قرية بني يخلف بالمحمدية. غير أن الهدف من الذهاب إلى هناك سرعان ما تغير لتمسي الزيارة علمية وسياحية. من هنا كانت الحكاية:

كما هي عادتنا، في كل مرة يأتينا نداء السفر، نحدد الوجهة بدون تردد، ونحزم حقيبة الظهر، مع ما قل من “الحوائج” ونسافر. في الأسبوع الثاني من شهر فبراير، وبدون مقدمات، اقترح علي هذا الصديق أن نسافر إلى الداخلة. قلت له سأرد عليك غدا.

لما افترقنا، هاتفت صديقا آخر، كان يشتغل معي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بسطات، وكان قد قضى سنوات من العمل بالأكاديمية الجهوية بمدينة الداخلة، قبل أن يلتحق بالمركز ليصبح مكونا و مؤطرا للطلبة الأساتذة. اتصلت به من أجل أن يمكنني، فقط، من إسم فندق، يكون بمركز المدينة، لكي نطلبه لما نحط الرحال بالمطار. رحب بالفكرة على التو، وطلب مني مهلة نصف ساعة وسيرد علي.

لما اتصل بي مكنني من هاتف لأحد أصدقائه هناك، وقال لي بالحرف: صاحب هذا الهاتف هو “أنا” هناك اتصل به. لما اتصلت بالسيد “خالد”، كانت المفاجأة، بحيث أنني أدركت أن تمة “مؤامرة” سارة، أحيكت لي بين الصديق والسيد صاحب رقم الهاتف، وفحواها هو أن الزيارة ستكون كذلك من أجل تقديم مداخلة علمية بالمركز الجهوي لتكوين الطلبة المدرسين بالداخلة، استثمارا للتجربة والخبرة في ميدان التكوين التربوي. رحبت بالفكرة. ورد علي السيد خالد قائلا:  والآن لما تحدد يوم الزيارة، أبلغني به، ولا تفكر في الباقي. في اليوم الموالي أرسلت له ما طلب مني: موضوع المداخلة،  الذي صغته كما يلي: “أسس مهنة التدريس، والحاجة إلى علوم التربية”، مصحوبا بنبذة عن سيرتي العلمية. وذلك من أجل التهييئ للنشاط العلمي بتنسيق مع طاقم إدارة المركز التربوي، والذين أشكرهم الشكر الجزيل، على نبل الاستقبال والضيافة وجودة التنظيم.

وهكذا كنا أنا وصديقي، صاحب الفكرة، والذي تفاجأ بالمستجدات، في زيارة بهدفين: علمي، أساسا، وسياحي.كان ذلك على متن الطائرة يوم 17-2-2025

غير أن مجمل معطيات الاستطلاع التي سأقدمها بصدد هذه المدينة المضيافة، قامت على مصدرين: من جهة المعاينة الشخصية، ومن جهة ثانية ما قدمه لنا المرشد السياحي الذي رافقنا في تنظيم زيارة لمنطقة معروفة بإسم “المدار السياحي الصغير”.

 

 

المدينة ولغز إسمها وسحر ضواحيها السياحية:

مدخل هذه المدينة من الشمال يبدأ من الملتقى الطرقي المعروف عند المرشدين السياحيين بملتقى الأربعين، نسبة إلى المسافة الطرقية المتبقية إلى مركز المدينة. وتحمل هذا الإسم، أي الداخلة، لأنها على المستوى الجغرافي، هي شبه جزيرة. تخترق مساحتها اليابسة عمق المحيط الأطلسي، بحيث يخيل إليك أن الأطلسي يحتضنها محتويا أياها بدراعين من ثلاثة جوانب، هي عينها  شواطئ هذه المدينة، وهي غاية في الجمال.

 

 

يحكي لنا المرشد السياحي، أن عرض اليابسة بين ضفتي المدينة يتراوح بين 50 كلم وقد يضيق إلى خمسة كلومترات أو الكلومتر الواحد، وذلك بحسب كل منطقة. ما يمكن أن نقول هو أن الزائر سيشعر أنه يزور مدينة عائمة وسط البحر المحيط، أو قل هي لؤلؤة الصحراء المغربية. لاحظنا أن المدينة بكاملها عبارة عن ورش مفتوح، لإعادة التهيئة على مستوى البنية التحتية كتوسعة الشوارع، وإعادة إصلاح قنوات بنية الصرف الصحي والإنارة….

ونحن نمر عبر شارع الولاء في اتجاه المناطق الخارجية عن مركز المدينة، حيث توجد أهم المناطق السياحية المستقطبة للسياح، من مختلف بقاع المعمورة، وهذا ما شاهدناه بالفعل، على الرغم من أننا في شهر ماطر. وهو طريق يمتد عن الطريق الوطنية التي تخترق المغرب من طنجة إلى آخر حبة رمل من جنوب المملكة المفتوح على الأطلسي.

أخبرنا المرشد السياحي أن المملكة المغربية هي  بصدد بناء ميناء كبير، هو ميناء الداخلة المتوسطي. والسيارة رباعية الدفع تسير بنا عبر الشارع، والعين تتابع الأوراش المفتوحة لتعمير المدينة، على جانبي الشارع، من تجزءات للسكن بمختلف الأنواع، عمارات، فلات، ومنشآت أخرى إدارية كثيرة. كما مررنا بجوار مستشفى “أكديطال” يشتغل اليوم. كما تعرف المدينة بنية مادية خاصة بقطاع التربية والتكوين، بحيث تعرفنا على مدارس ومعاهد عليا كمدرسة الاقتصاد والتدبير وكلية الطب، وكذا بنية مادية للتعليم الأساسي العمومي والخاص. ومن المدارس الخصوصية التي مررنا بجوارها، مدرسة فرنسية خاصة مفتوحة للمغاربة. كما أخبرنا السيد المرشد أنه يروج بقوة أن البنية الرياضية ستتعزز بإنشاء مدرسة فرنسية لكرة القدم. أشير كذلك إلى أنه إلى جانب الفنادق بالمدينة، توجد عمارات خاصة بالشقق المفروشة مهيأة للعرض السياحي. أما بالنسبة للطقس فقد يمكنك أن تقارنه نسبيا بطقس مدينة الصويرة.

ونحن نسير على عين الطريق أشار إلينا المرشد جهة عمق الشاطئ، إلى منشأة لتربية بعض أنواع الأحياء البحرية، وسلسلة من الفنادق المتنوعة التي يأتيها السياح من المغرب والعالم، مناطق متنوعة من حيث نوع المعمار، والأثمنة التي تتحكم فيها نوعية الخدمات، أثمنة تجعلك ضيفا مهتما بك، على مستوى جميع احتياجاتك اليومية، من مأكل ومشرب وخرجات ورياضة.

من بين المناطق السياحية التي يشرف القطاع السياحي على رعايتها، والتي زرناها، وتعرف دينامية كبيرة، أذكر المنطقة المعروفة بإسم “الكثبان الرملية البيضاء”، المنطقة التي تتواجد كثبانها ذات الرمال البلورية البيضاء بجوار بحيرة يتغير عمقها بحسب حركة المد والجزر.. هنا كان لنا موعد مع “كأس شاي صحراوي”، هيأه لنا المرشد عند عودتنا إلى السيارة.. كذلك عرجنا على منطقة “عين أسما”، ماؤها ساخن تفوح منه رائحة الكبريت. كما توقفنا عند العودة بالمنطقة السياحية المعروفة برياضة “السورف”، التي يتوافد عليها بكثرة هواة هذه الرياضة البحرية. وكان آخر هذه المناطق من هذا المدار السياحي الذي زرناه،  هي محمية لتربية طير “النعام”.

ويعرف هذا المدار السياحي بالمدار السياحي الصغير. تتطلب زيارته خمس ساعات. وعليك أن تحمل معك ما تأكل وما تشرب. وتبدأ الزيارة مع العاشرة صباحا حيث تأتي السيارة رباعية الدفع لتأخذك من مقر سكناك إلى هذا المدار.

وأنت تتجول بالمدينة وضواحيها، تلاحظ أن هذه المدينة تعرف حركة تنموية، على مستوى البنية العمرانية والسياحية،  متسارعة. كما أنك وأنت تتجول في قلب هذه المدينة الساحرة، أو في الطريق الشاطئية، أو أنت بتلك المناطق السياحية، تشعر بالأمان، مثل ما تشعر به في أية مدينة سياحية، في مختلف بقاع هذه الأرض المضيافة، والتي نتمنى لها كل خير وأمان.

* ذ. باحث وكاتب في مجال الفلسفة المعاصرة