بقلم: زكية لعروسي

تشكل القمة الإفريقية الـ38 للاتحاد الإفريقي، التي ستنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 15 و16 فبراير، محطة حاسمة في مسار القارة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي والاستقرار السياسي. ومع تسلُّم أنغولا الرئاسة الدورية للاتحاد لأول مرة، يبرز تساؤل جوهري: إلى أي مدى يمكن للقارة أن تستفيد من تجارب الدول الديناميكية، وعلى رأسها المغرب، الذي يمضي بخطى ثابتة في تعزيز التعاون الإفريقي؟ ومتى تستفيق بعض الدول التي ما زالت رهينة إرث الماضي ومحدداته الضيقة؟
ففي العقود الأخيرة، برز المغرب كأحد الفاعلين الرئيسيين في القارة الإفريقية، مستندا إلى رؤية استباقية يقودها الملك محمد السادس نصره الله. فمنذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، عززت المملكة موقعها كشريك استراتيجي للدول الإفريقية من خلال مشاريع تنموية كبرى، مثل خط أنابيب الغاز المغربي-النيجيري، والتعاون في مجالات البنية التحتية، والصناعة، والتحول الرقمي.
كما أن دعم المغرب لمبدأ الحكم الذاتي في قضية الصحراء المغربية، والذي يحظى بقبول متزايد داخل القارة، يبرهن على نجاح استراتيجيته في بناء شراكات قائمة على التنمية المشتركة والاستقرار السياسي. وقد انعكس ذلك في اعتراف العديد من الدول الإفريقية بمغربية الصحراء وافتتاحها قنصليات في مدن العيون والداخلة، ما يعكس تحولا جوهريا في المواقف الإقليمية.
في المقابل، لا تزال بعض الدول الإفريقية متجمدة في الماضي عالقة في إرث السياسات القديمة، متأثرة بإيديولوجيات تجاوزها الزمن. إذ أن بعض الأنظمة ما زالت رهينة صراعات داخلية، وانقسامات سياسية، وانعدام استراتيجيات واضحة للتنمية المستدامة، مما يجعلها معزولة عن موجة التحديث والتكامل الاقتصادي التي يشهدها الاتحاد الإفريقي.
وتظهر هذه التحديات جلية في استمرار بعض العواصم في دعم كيانات انفصالية أو الاصطفاف مع أجندات خارجية تعرقل وحدة القارة. فبينما تتجه قوى إفريقية صاعدة، مثل المغرب وساحل العاج، إلى تعزيز الشراكة جنوب-جنوب، لا تزال دول أخرى تراهن على سياسات العزلة والتبعية، مما يحرم شعوبها من فرص النمو والازدهار. فهل حان وقت اليقظة؟
تتزامن هذه القمة مع تحديات كبرى تواجه القارة، من الأمن الغذائي إلى التحولات الرقمية، مرورًا بمواجهة تداعيات التغير المناخي. وهذه الملفات تفرض على الاتحاد الإفريقي تجاوز الخلافات العقيمة والتركيز على سياسات عملية تستند إلى تعزيز التعاون الاقتصادي ورفع مستوى الحوكمة داخل الدول الأعضاء.
كما أن هذه المرحلة تطرح ضرورة تقييم أداء الاتحاد في دعم الدول السائرة نحو الأمام مقابل التعامل مع تلك التي تعرقل مسيرة التقدم. فهل سيواصل الاتحاد الإفريقي احتضانه لدول تمارس الابتزاز السياسي وتكرس الانقسامات، أم سيضع قواعد جديدة تحفز الإصلاح وتكافئ المبادرات التنموية الحقيقية؟
القمة الإفريقية الـ38 تشكل فرصة أمام القادة الأفارقة لإعادة رسم مسار القارة بعيدًا عن الحسابات الضيقة والأجندات المشوشة. فإما أن تحلق إفريقيا بعيدًا بوحدة اقتصادية قائمة على المصالح المشتركة، أو أن تبقى بعض دولها في دائرة الجمود، غير قادرة على اللحاق بركب التنمية.
المغرب، بفضل ديناميته واستراتيجيته الواضحة، يقدم نموذجًا لما يمكن تحقيقه عندما تتوفر الإرادة السياسية والرؤية المستقبلية. فهل ستكون هذه القمة نقطة تحول حقيقية، أم مجرد محطة جديدة في مسار طويل من الوعود غير المنجزة؟