تبون والتطبيع: من «المزايدة الثورية» إلى «الهرولة الانتهازية»

بقلم: زكية لعروسي

في موقف مثير للاستغراب ومشحون بالكوميديا السياسية، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المعروف بخطاباته الرنانة وشعاراته الشعبوية، التلميح إلى إمكانية تطبيع الجزائر مع إسرائيل إذا ما قامت دولة فلسطينية. هذه القفزة البهلوانية في المواقف لا يمكن تفسيرها إلا كاستعراض جديد لرجل فقد البوصلة في متاهات السياسة الإقليمية.

كان تبون بالأمس القريب يقصف المغرب بشتى الاتهامات، متفننا في إبداع قاموس «المؤامرة الصهيونية»، وها هو اليوم يغير نبرة حديثه في مشهد أشبه بمن يحاول :تغطية الشمس بالغربال”. فما الذي تغير؟ هل اكتشف فجأة أن العالم لا ينتظر من يقف على الهامش ليصرخ «لن نطبّع»، أم أن حرارة العزلة السياسية دفعت الرجل إلى «اللي ما عندو حيلة، يقلب الفيستا»؟

تصريحات تبون جاءت في توقيت أقل ما يقال عنه إنه «ضرب تحت الحزام» لكل تلك المواقف «المبدئية» التي رددتها أبواق النظام الجزائري. الرجل الذي طالما وصف نفسه بحامي القيم القومية، وجد نفسه فجأة محاصرا، لا حليف له سوى الشعارات القديمة، التي لم تعد تقنع حتى أنصاره.

في المقابل، المغرب يمضي بخطى واثقة، حاصدا الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، ومؤكدا حضوره في الساحة الإقليمية والدولية. وفي الوقت الذي اختار فيه المغرب الواقعية السياسية كمنهج، يبدو تبون كمن «تْخلّى عليه الزمان وبْقا كيدور بحال الما في الرحى»، غير قادر على التقاط التحولات من حوله.

تصريحات تبون بأن التطبيع مرهون بإقامة دولة فلسطينية ليست سوى محاولة لتزيين الانحناءة الحادة في مواقفه السابقة. الجميع يعلم أن هذه الشروط، رغم رومانسيتها، أصبحت جزءا من الماضي. الدول الواقعية لا تضع مواقفها رهينة أحلام مؤجلة، بل تتفاعل مع المتغيرات بحكمة. لكن، «اللي ما يعرف الصنعة، يقول كسيدي عامر غشّني»، وتبون هنا يعتقد أن بإمكانه خداع الرأي العام الجزائري بهذه الالتواءات.

إسرائيل بدورها لم تعر تصريحاته اهتماما، وكأنها تردد: «واش خصك آلعريان؟ الخاتم أمولاي». فالتوقيت متأخر والمواقف متناقضة لدرجة العبث. هل يمكن أخذ تبون بجدية حين يتحدث عن شروط للتطبيع؟ بالطبع لا، فالرجل يدرك جيدا أن «الكذاب ينسى شنو قال»، وأن ذاكرة الناس ليست قصيرة كما يعتقد.

قد يحاول النظام الجزائري تبرير هذه الانعطافة بكونها «تحولات استراتيجية»، لكن الواقع أكثر قسوة: الجزائر تواجه عزلة خانقة وأزمة اقتصادية عميقة، والتطبيع بالنسبة لتبون ليس خيارا سياسيا بقدر ما هو «طوق نجاة في بحر الأزمة». غير أن مشكلته الأساسية أنه تأخر كثيرا في ركوب الموجة، ليجد نفسه الآن يهرول وحيدا خلف قافلة سبقت، و«اللي سبقك بليلة، سبقك بحيلة».

في النهاية، تبقى هذه الخطوة مجرد حلقة جديدة في مسلسل طويل من التخبط الدبلوماسي. فهل سيتوقف تبون يوما ليعترف بالفشل؟ أم سيواصل استعراضه الهزلي في محاولة يائسة للتشبث ببقايا وهم « القيادة الإقليمية»؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن «السوق عامر، واللي فاق بكري هو اللي يشري».