بقلم: زكية لعروسي

في العلاقات الدولية، كما في الحياة، هناك مثل عند إخواننا المصريين يقول: «ضربني و بكى، و سبقني و اشكى»، وهذا تمامًا ما يبدو أن الجزائر تحاول فعله مع فرنسا اليوم. فبعد سنوات من المد والجزر، تجد باريس نفسها أمام جدار دبلوماسي جزائري «صلب»، حيث يرفض الرئيس عبد المجيد تبون أي مبادرة لإعادة فتح الحوار ما لم يأت الطلب صريحا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيا. فهل هو تقليد مغربي أم موقف سيادي؟
ما يثير الانتباه أن الجزائر تتبنى اليوم نهجا شبيها بالذي انتهجه المغرب سابقا في أزماته مع فرنسا، حيث جعلت الرباط من أي تقارب جديد مشروطا بخطوات فرنسية واضحة، وهو ما يبدو أن الجزائر تحاول الآن محاكاته. فمن الواضح أن تبون يريد أن يأتي ماكرون معتذرا، بل كمذنب يبحث عن العفو. وكما يقول المثل الشعبي: «حبة فوق وحبة تحت»، فالجزائر تسعى لوضع نفسها في موقع القوي، بينما تفرض على فرنسا لعب دور الطرف الذي يحتاج إلى المصالحة أكثر.
الموقف الجزائري الحاد له جذور واضحة، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية، حيث اعتبرت الجزائر دعم باريس لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بمثابة «خيانة» سياسية.
من الواضح أن باريس في موقف لا تُحسد عليه، فكلما حاولت نزع فتيل الأزمة، جاء الرد الجزائري أكثر صلابة. تصريحات تبون الأخيرة تعكس سياسة «التحدي الفارغ» التي تتبعها الجزائر، حيث تضع شروطا ثقيلة أمام أي مصالحة محتملة. فبالنسبة للجزائر، «مول الفز يقفز»، وماكرون “المسكين” مطالب بإثبات حسن نيته قبل أن يُفتح له باب الحوار مجددا.
فيبدو أن سهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمسى طويلا، إذ لم يعد يذوق طعم النوم منذ أن قررت الجزائر إدارة ظهرها له. فـ«الدولة الضاربة في الخواء»، التي تضرب في كل الاتجاهات ولا تصيب شيئا، جعلت من نفسها محور الكون، وتحولت إلى كابوس للإليزيه، مقتنعة بأن باريس لا تستطيع التنفس بدونها. في قصر الإليزيه، حيث كانت القرارات تُصنع بثقة، بات التوتر يخيم على الأجواء، وكأن ليل ماكرون أصبح أطول من اللازم، يقلب الملفات واحدًا تلو الآخر، بحثًا عن طريقة لإرضاء الجزائر، التي تبدو مستمتعة بتعذيبه الدبلوماسي.
الجزائر تتعامل مع فرنسا اليوم بمنطق «العين بالعين والبادئ أظلم»، معتبرة أن ماكرون هو المخطئ وعليه أن يعود صاغرا يطلب السماح، كما لو أن باريس لا تملك من الخيارات سوى تقديم الاعتذار والوقوف في الطابور انتظارا لرضا «القوة الضاربة في الخواء». السؤال المطروح هنا: هل ستقبل فرنسا لعب دور التلميذ النادم، الذي يكتب رسالة اعتذار طويلة على ورق من ذهب، أم أنها ستواصل سياستها المرتبكة في مواجهة «العالم الٱخر»؟