
بقلم: زكية لعروسي

هل يمكن لزعيم سياسي، مهما علا شأنه، أن يقرر مصير شعب بأكمله؟ من الذي أعطى دونالد ترامب الحق في المطالبة بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن؟ هذه ليست مجرد كلمات عابرة أو اقتراحات دبلوماسية، بل إعادة إنتاج لفكرة الطرد والتشريد التي بدأت منذ نكبة 1948. المطران عطا الله حنا، بصوته الصادق وكلماته التي تخترق جدران الظلم، يعيد طرح السؤال الأزلي: من يقرر مصير الشعوب، أصحاب الأرض أم أولئك الذين يتلاعبون بمصائرهم من خلف مكاتبهم الفارهة؟
تصريحات ترامب، التي تلمّح إلى “حل” قائم على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ليست مجرد زلة لسان، بل امتداد لعقلية استعمارية ما زالت ترى الأرض سلعة والشعوب أرقامًا. المطران عطا الله حنا، الذي لا يهادن في مواقفه، يضع النقاط على الحروف: التاريخ لا ينسى والمبادئ لا تُباع. إذا كان هناك من يستحق الرحيل، فهم أولئك الذين جاؤوا على ظهر الدبابات واستوطنوا الأرض بقوة السلاح، وليس من شُرّدوا منها ظلماً.
وهنا يأتي السؤال الأخطر: هل يُعقل أن يكون الحل لمأساة غزة هو محوها من الوجود؟ هل يُكافأ الضحية بالنفي بينما يبقى الجلاد متربعًا على العرش؟ المطران يجيب بكل وضوح: الفلسطينيون باقون، متشبثون بأرضهم، وعوضا عن الحديث عن تهجيرهم، يجب أن يكون النقاش عن عودة اللاجئين إلى ديارهم التي سلبت منذ أكثر من سبعة عقود.
يبدو أن ترامب، ومن شجّعه على هذه التصريحات، لا يدرك أن فلسطين ليست ورقة في سوق البورصة، ولا هي أرض بلا شعب تُمنح هنا وهناك وفقا للمصالح السياسية. من ينظر إلى التاريخ يعلم أن الشعوب التي تقاوم وتدافع عن وجودها لا تُهزم، حتى لو تآمر العالم كله عليها.
المطران عطا الله حنا يوجّه رسالة إلى مستشاري ترامب: “قولوا له إن الفلسطينيين الذين دفعوا الدم والتضحيات لا يبيعون وطنهم، ولا يتنازلون عن ذرة من ترابه، وإن القدس ليست مستعمرة صهيونية، بل قبلة للأحرار وحاضنة التاريخ والمقدسات.”
ربما لا يكون السؤال الحقيقي: ماذا يريد ترامب؟ بل: إلى متى سيبقى العالم شريكً في هذه الجريمة بالصمت أو التواطؤ؟ هل سيواصل تقديم بيانات الإدانة الباردة، التي لا تطعم جائعًا ولا تحمي طفلاً من صاروخ؟ أم أنه آن الأوان لأن يتوقف هذا المسلسل العبثي من الوعود الكاذبة والمساومات الرخيصة على حقوق شعب لم يطالب إلا بحقه في الحياة؟
كم مرة سُرقت الأوطان تحت أنظار العالم؟ وكم مرة قيل للمُهجَّرين: “انسوا دياركم، فالتاريخ لا يعود إلى الوراء”، فإذا بهم يقلبون معادلة الزمن، ويثبتون أن الأرض لا تنسى أبناءها، وأن جذور الزيتون، مهما اقتُلعَت، تنبت من جديد؟
الفلسطينيون لم ينتظروا يوما من يمنحهم العدل كمنّة، ولم يراهنوا على قرارات تُكتب بالحبر ثم تمحى بممحاة المصالح. وحدهم، بأيديهم العارية، ينسجون ملحمتهم. وحدهم، رغم الاحتلال والجدران والأسلاك الشائكة، يجعلون من القدس مدينة تنبض بالحياة، لا عاصمة لمستعمر، بل قبلةً للأحرار، ورمزا لمن يعرف معنى الكرامة.
أما ترامب ومن يؤيده، فليقرأوا التاريخ جيدا—ليس التاريخ الذي يكتبونه هم، بل التاريخ الذي يكتبه أصحاب الحق بدمهم وصمودهم. الشعوب التي أُجبرت على الرحيل عادت، والأوطان التي ظُنّ أنها ضاعت تحررت. قد تطول المعركة، قد تشتد العواصف، لكن النصر ليس وديعة في خزائن الأقوياء، بل هبة لمن لم يتخلَّ عن قضيته، ولم يفرّط في حقه، ولم ينكسر أمام قساوة الطقس






